فمن آثار السعادة : الابيضاض ، وفيه بهجة السرور وانشراحه.
ومن آثار الشقاوة : الاسوداد ، وفيه انكسار الحزن ، وانقباض الخوف.
وهذا الابيضاض حاصل في الدنيا أيضا ؛ لكن لا يشاهده إلا أهل البصيرة ؛ لأن من تجلّى الله لقلبه ؛ كان أحسن وجها ، وكذا الاسوداد ؛ لأن من احتجب الله عنه ؛ كان أقبح وجها ؛ وذلك لأن معنى التجلى : إنما هو ظهور الحق تعالى من حيث اسمه النور.
ومعنى الاحتجاب : استتاره من تلك الحيثية ، فكلّما ظهر نور الحق في قلب العبد ؛ كان ليله نهارا ، وسرى نوره من قلبه إلى قالبه ، كما قال تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) [الزمر : ٦٩].
وكلّما اختفى ذلك النور ؛ كان نهاره ليلا ، وسرى ظلمته من باطنه إلى ظاهره كما قال تعالى : (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) [النحل : ٥٨].
لأن الاسوداد أثر الكآبة التي هي صفة الباطن ، فتظهر في صورة الظلمة ؛ لأن النور والسرور من الجنان ، والجنان والظلمة والغم من النيران والطبائع ، فالكل إمّا يظهر بحسب صفته الغالبة ، وليس ذلك من الخارج ؛ ولذلك أسند الابيضاض إلى الوجوه لا التبييض إلى الله تعالى.
فإن معنى بتبيض الله أيضا : إظهار آثار ابيضاض الوجوه من حيث ما هي متصفة به في نفسها ، لا إظهار أمر خارج عن نفسها ، وكذا التسويد ، ونكّر الوجوه ؛ إشارة إلى كثرتها في نفسها ، وإن كانت الوجوه البيض أقل بالنسبة إلى الوجوه السود ؛ فهم أكثر بحسب شرفهم وفضلهم ، وإن كانت السود أكثر من ذواتهم ، كما قيل : الواحد على الحق هو السواد الأعظم ، وإن بعث النار تسعمائة وتسعة وتسعون من ألف ، وذلك مما يقتضيه الحكمة الإلهية.
ولذا كان القطب في كل عصر واحدا ؛ وهو الإنسان الكامل ومعه تحت لوائه مائة وأربعة وعشرون ألفا من الأولياء ؛ بل أزيد وأما الأعداء فلا يحصى عددهم.
ثم إن ظهور السعادة إنما كان من خلق الملائكة ، كما أن ظهور الشقاوة إنما كان من خلق الشياطين ، والجمع بينهما من خلق البشر ، وكان العالم في أول خلقته