ألا ترى إلى قوله : «من مات ؛ فقد قامت قيامته» (١).
ولا شك أن قيام الساعة إنما هو لإقامة العدل ، وهو يقتضي القصاص ، والمقابلة ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، فهو ما ينقبض عنه النفس ، ويتنفّر الطبع ، ويعظّم عند القلب.
وقد روي : إن الأنبياء عليهمالسلام يجثون على ركبهم في المحشر عند ظهور تجلّي القهر والغضب ، فقد حصل من إشارة ما قررنا أنه إذا وجب القيام للميت بالموت الصوري ؛ كان ذلك أوجب لأهل الفناء المعنوى ، فإنهم أهل الجلال ، والهيبة الظاهرة والباطنة بخلاف غيرهم ممن بقى مع نفوسهم إلا أن يقال : إن المكاشف إذا اطّلع على الجلال الظاهر في النفوس الجلالية المحجوبة ؛ كان من شأنه أن يقوم له ، وينحني ، فإنه إنما يقوم وينحني في الحقيقة للجلال الباطن في نفسه ، كما صدر من بعض أهل الفناء ؛ لكن المحققين على المنع من الانحناء ؛ لأنه انحناء لنفسه ، فلا يقوم به الكمّل ، ويجرّون في ذلك مع أهل الشرائع ، والأحكام ، وفيه السلامة والسّلام.
قال الله سبحانه وتعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [آل عمران : ١٠٦ ، ١٠٧].
اعلم أن الإيمان ؛ إمّا إيمان بالقوة ، وإمّا إيمان بالفعل ، وكذا الكفر (٢).
__________________
(١) رواه أبو نعيم في الحلية (٦ / ٢٦٨) ، وذكره المناوي في فيض القدير (٥ / ٣).
(٢) فائدة : قال السمرقندي في الصحائف : الإيمان في اللغة : التصديق ، وفي الشرع مختلف فيه.
فقال المحققون : هو تصديق الرسول بكل ما علم بالضرورة مجيئه به ، وإنما قيد بالضرورة لأن منكر الإجتهاديات لا يكفر إجماعا ، ويقرب منه ما نقل عن الإمام الأعظم أبي حنيفة رحمة الله : أن الإيمان هو : المعرفة والإقرار.
وقالت المعتزلة : الإيمان هو : الطاعات.
ونقل عن السلف : أنه التصديق بالجنان ، والإقرار باللسان والعمل والأركان ، فمن أضل بالتصديق وإن شهد وعمل فهو منافق ومن أضل بالشهادة فهو كافر ، ومن أخل بالعمل فهو فاسق وهذا قريب