__________________
ـ شيء فيما يضاده وينافيه من الوجه المعتاد والمنافي ، بل يدرك بغلبة حكم ما به الاتحاد والاشتراك على ما به الامتياز ، فافهم.
وبيانه أن إدراك الأشياء كانت ما كانت بكنهها ، ولو كان منعذرا من حيث الفكر والنظر ، ولكن لإدراكها وجه آخر يسمّى الوجه الخاص ، وهو ارتفاع حكم النسب الجزئية والصفات التقليديّة من العالم العارف حال تحققه بمقام : «كنت سمعه وبصره» ، فمن كان الحق سمعه وبصره وجميع قواه فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، وفي المرتبة التي فوقها المجاوزة لها المختصّة بقرب الفرائض ، وقد ثبت عند أرباب الكشف أن الأمر كان ما كان ما يدرك منه إلا وجه ما به الاشتراك لا ما به الامتياز ، فإذا أراد عالم علم شيء فتوصّل إليه بوجه المضاهات ، وعلم ذلك الشيء بنفسه في نفسه ؛ لأن الإنسان الكامل مضاه للحق والخلق ، فإنه يتنزّل إلى أسفل سافلين من مقام أحسن التقويم ؛ لأنه على الصورة الإلهية ، وله الأوليّة والآخريّة وذلك لتمكنه في مقام الجمع الأحدي الذي صحّت له المحاذاة والمحاكات والمطابقات.
وصورته أن الإنسان برزخ بين الحضرات الإلهية والكونية ونسخة جامعة لهما ، ولما اشتملتا عليه حرفا حرفا ، فليس شيء من الأشياء إلا وهو مرتسم في مرتبته التي هي عبارة عن جميعه ، والمتعين مما اشتملت عليه نسخة من وجوده ، وحوتها مرتبته في كل وقت وحال ، ونشأة ، وموطن إنما هو ما يستدعيه حكم المناسبة التي بينه ، وبين ذلك الحال ، والوقت ، والنشأة ، والموطن ، وأهله كما هو سنّة الحق من حيث نسبة تعلقه بالعالم ، وتعلّق العالم به ، فمهما لم يتخلّص الإنسان من ربقة قيود الصفات الجزئيّة الحاكمة عليه على الوجه المذكور ، فلا يدرك بها إلا ما يقابلها من أمثالها ، وما تحت حيطتها لا غير ، فإذا تجرّد من أحكام القيود ، وتخلّص من زيوف الميول والمجازيات الانحرافية الأطرافية الجزئيّة ، وانتهى إلى مقام الاعتدالي إلى الجمعي الوسطي الذي هو نقطة المسامية الكليّة ، ومركز الدائرة الكبرى الجامعة لمراتب الاعتدالات كلها المعنويّة والروحانيّة والمثاليّة والحسبيّة المشار إليها ، واتّصف بالحال الذي حررناه ، قام للحضرتين في مقام محاذاته المعنويّة البرزخيّة ، فواجهها بذاته كحال النقطة مع كل جزء من أجزاء المحيط ، وقابل كل حقيقة من الحقائق الإلهية والكونية بما فيه منها من كونه نسخة من جملتها ، ومع كل شيء له نسبة ثابتة لا جرم فيها ما يقتضي الانجذاب من نقطة الوسط الذي هو أحسن تقويم إلى كل طرف ، والإجابة لكل داع ، فأدرك بكل فرد من أفراد نسخة وجوده ما يقابلها من الحقائق في الحضرتين ، فحصل له العلم المحقق بحقائق الأشياء وأصولها ومبادئها ؛ لإدراكه لها في مقام تجريدها ، ثم أدركها من حيث جملتها وجمعيتها بجملته وجمعيته ، فلم يختلف عليه أمر ، ولم ينتقض عليه حال ولا حكم ، ولو لا القيود الكمالية لاستمرّ حكم هذا الشهود ، وظهرت أثاره على المشاهد على الاستمرار والدوام ، ولكن الجمعية التامة الكمالية تمنع من ذلك ؛ لأنها تقتضي الاستيعاب المستلزم للظهور بكل وصف ، والتلبّس بكل حال وحكم ، فالثبات على هذه الحالة الخاصة المذكورة وإن جلّ