فمن قال بعصيان هاروت وماروت فقد عصى الله ؛ بل كفر بالله ؛ لتكذيبه النص ، ويقرب منه القول بعصيان الأنبياء ؛ لأنهم معصومون ، وما صدر عنهم ، فعلى التأويل ، وترك الأولى الذي يقال له الزلة ، فاعرف.
قال الله تعالى في سورة الزمر : (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر : ٣٥].
اعلم أن من الأعمال ما هو أقبح ؛ وهو الشرك ، وما هو قبيح ؛ وما عداه من المعاصي صغائر أو كبائر ، ومنها ما هو أحسن ؛ وهو التوحيد ، وما هو حسن ؛ وهو الطاعات فرائض أو نوافل.
فإذا كفر الله بسبب التصديق الأسوأ والأقبح فبالحرى أن يكفّر السوء والقبيح ، فإن الإيمان يجبّ ما قبله مطلقا ما عدا الحقوق المتعلّقة بالغير ، وكذا أعطاهم الأجر بالأحسن ، فجدير أن يعطيهم إياه بالحسن ؛ لأنه كما أن القبيح تابع للأقبح ؛ فكذا الحسن تابع للأحسن لكنه صرّح بالأسوأ في جانب التفكير ؛ إشارة إلى أنه لا اعتداد بالسوء في جنب تفكير الأسوأ حتى يحتاج أيضا إلى التكفير ، كما دلّ عليه قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] ، وقول شريح القاضي : يا رب ليس في صحيفتي شرك ، وقد وعدت أن تغفر ما دونه.
وصرّح بالأحسن في جانب الجزاء ؛ إشارة إلى أن كل واحد من الأحسن ، والحسن معتدّ به على حدة ، وأنه يجازي الحسن بما يجازي به الأحسن ؛ فيكون الحسن في حكم الأحسن فضلا من الله تعالى وكرما ، وتصريح العمل في الأول ؛ لاستقباحه ، والمعنى إشارة إلى أنه مضى ما مضى.
فلا ينبغي أن يعود تصريحه في الثاني ، لاستحسانه ، وصيغة الاستمرار ، والمضارع ، إشارة إلى أن لهم عملا أحسن بعد عمل أحسن على الاستمرار ؛ لوقوفهم على حسنه الزائد حيث إنه يزيد في الدرجات ، كما أن العلم الزائد يزيد في القرب المعنوي.
وفيه إشارة إلى أن العلم والعمل ينبغي أن يكونا على قدم واحدة بحيث إن