أيضا ، فإنهم عند العلماء بالله عقلاء ، علماء ، أحياء.
وأثبت السجود والركوع على معيّة الساجدين والراكعين ؛ لأن للإنسان جمعية الأسماء ، فهو يوافق كل مسبّح في تسبيحه بخلاف قوله : (الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ) [الأنبياء : ٧٩] ، فإن الجبال والطير ونحوهما ما وافقت داود عليهالسلام إلا في تسبيحه المخصوص بيّن كون مريم مع الساجدين والراكعين ، وكون الجبال ونحوها مع داود.
وحاصله أن الإنسان يشارك جميع الأشياء في أسمائها المخصوصة ؛ لجمعية نشأته بخلاف جميع الأشياء ، فإن كلّا منها إنما يشارك الإنسان في اسم مخصوص بحسب ما يقتضيه مرتبته ، فللإنسان ما للكل ، وليس لكل واحد من الكل ما للإنسان : أي بالفعل ، وإن كان له ذلك بالقوة.
ومعنى القوة أن الله تعالى أودع في كل نوع من الأشياء سرّ اسم من الأسماء كلية أو جزئية ؛ لكن أودع في ذلك الاسم أيضا أسرار سائر الأسماء ؛ لأن المسمّى إذا كان واحدا ؛ فجميع الأسماء يدور معه سواء كان حكمها ظاهرا بالفعل ؛ كالإنسان الكامل ، أو لم يكن كما لغيره من الأشياء ، فكل ظهور وبطون إنما هو لله تعالى.
ومعدن كل فعل إنما هو القوة ، ولو لا القوة لما خرج إلى الفعل شيء من الأشياء ، وبهذه القوة لا يفضل بعض الأشياء على بعض ، فليس للسلطان على أدنى رعية من رعاياه فضل بخلاف الفعل.
ألا ترى أن الصلحاء لا يدركون درجة الشهداء ، وهم لا يصلون إلى مرتبة الصدّيقين ، وهم لا يبلغون منزلة الأنبياء ، ثم المرسلون فوق الأنبياء ، وفوقهم أولو العزم ، وفوقهم نبينا صلىاللهعليهوسلم.
وقد يظهر القوة إلى الفعل من غير الإنسان أيضا ؛ كتكلّم الجماد وتسبيحه على ما سمعه المكاشفون ، ومنه يظهر ان كلّا من الإنسان المكاشف ، والأشياء المسبّحة يستأنس أحدهما بذكر الآخر دون الإنسان المحجوب ؛ فإنه غافل عن تسبيح الأشياء ، وربما يحمله على المعنى المجازي الذي هو الدلالة ، فمقامه مع الله ؛ كمقامه مع الأشياء حيث إن الله أقرب إلى العبد من حبل الوريد.
ويشهد من قريب وبعيد ؛ لكن العبد المحجوب لا يشهده ، وكذا لا يكاشفه