وهي التوجه بالقلب ، وداومي على ذلك ، فإن أفضل الأعمال أدومها ، ويعبّر عن ذلك التوجه الدائم بالذكر الكثير الذي عليه الكمّل.
وقوله عزوجل : (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [الآية : ٤٣].
كما أنك سجدت مع الساجدين ، فإن كلّا من الركوع ، والسجود صورة ، ومعنى دائم قد قام به في كل عصر كثيرون في عصر هذه الأمة أكثر ؛ لأن الأولياء اليوم عدد الأنبياء ؛ بل أزيد لكمال استعداد الأمة.
وأشار بالركوع إلى نوع من أنواع الفناء ، فإن السجدة إشارة إلى فناء الإنسان ، والملك ، والجن ، والركوع إشارة على انقيادهم ، وانقياد كل ذي روح
__________________
ـ فالوهبي : علم المكاشفة ، والكسبي على قسمين : فرض وغيره.
والفرض على قسمين : فرض عين وفرض كفاية.
وفرض العين على ثلاثة أقسام : علم قلب وعلم أصل وعلم فرع ، كما تقدّم في العلم الشرعي.
فهذا العلم الكسبي الذي هو أحد قسمي علم الحقيقة هو علم الشريعة ، والقسم الثاني من القسمين الأولين وهو العمل هو القسم الأول من قسمي علم الشريعة الذي هو للعزائم ، وهو مشتمل على سلوك طريق الحقيقة ، والطريقة المشتملة على منازل السالكين تسمّى مقامات اليقين ، فالحقيقة موافقة للشريعة في جميع علمها وعملها وأصولها وفروعها فرضها ومندوبها ، ليس بينهما مخالفة أصلا.
نعم هنا شيئان من العلم والعمل أحدهما : علم صفات القلب ، فأهل الحقيقة لهم به اعتناء واهتمام جدّا ، وسلوك طريقتهم موقوف على معرفته وتبديل صفاته الذميمة ، وأكثر أهل الشريعة مهملون ومتهاونون فيه مع كونه فرض عين في الشريعة والحقيقة بلا خلاف.
وأما القسم الثاني من قسمي علم الشريعة وهو الرخص ، فأهل الحقيقة من حيث العلم والاعتقاد لا يشكون بأن ذلك حق والعمل به جائز ، لطفا من الله تعالى بعباده ، ورحمة بهم في التخفيف ، ورفع الحرج عنهم.
وأما من حيث عملهم فلهم في العمل طريق في شواهق الحق على شوامخ جبال عزائم الشريعة الغراء ، يسلكون فيها إلى الله تعالى بتوفيقه وعنايته ، وجميل لطفه وصيانته وعرة العقاب صعبة الذهاب ، منهم من يقيم فيها سبعين سنة ، ومنهم من يقطعها بتوفيق الله في سنة ، وبعضهم في شهر ، وبعضهم في جمعة ، وبعضهم في يوم ، وبعضهم في ساعة ، على حسب معونة الله الكريم وتقدير حكمة العزيز العليم. وانظر : السيوف الحداد (ص ٦٠) بتحقيقنا.