لطيفة : قيل لي في المنام ليلة الاثنين الثلاثين من شهر رمضان سنة ١١٢٩ ه :
إن (هو) مبهم ما لا تعيّن له في الخارج ؛ بل عهديته في الذّهن ، وإنما يريد إبهامه ما بعده من تفسيره ؛ وهو الله أحد ، فهو قبل التفسير مبهم في الخارج ، ومفسّر في نفس الأمر ، وإنما جاء الإبهام من حيث المراتب ، ففيه إشارة إلى قوله تعالى : «كنت كنزا مخفيّا ، فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف» (١) ، فإنه تعالى كنزا مخفيّا قبل خلق الخلق ، فكان ظهوره بذاته في ذاته ؛ فكان خلق الخلق كالتفسير له بحيث كان ظاهرا لغيره أيضا.
فالأول : مرتبة الجلاء.
والثاني : مرتبة الاستجلاء.
فمن قصر نظره ؛ لم ير العالم إلا كالضمير المبهم ، ومن كاشف عن حقيقة الحال ؛ لم يكن عنده مبهم ، فإن الحق تعالى كشف عن ذاته وصفاته وأسمائه ؛ ولذا قال : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران : ١٨].
فالهويّة كانت ظاهرة للحق قبل خلق الخلق ، وباطنة للخلق ، وبعده كانت ظاهرة للخلق أيضا ، فباطن الحق ظاهر الخلق ، وبالعكس على هذا نفس الإنسان الكامل ؛ فإنه بمنزلة ضمير هو في إبهامه وتفسيره ، وليس تفسيره إلا الكرامات العلمية المتعلّقة بحقائق الذات ، والصفات ، والأفعال ؛ وهو القرآن الفعلي ، والضمير المفسّر ، والهويّة الظاهرة بآثاره ، والباطنة بحقائق ذاته.
ومن أنكره ؛ فقد أنكر القرآن ، ومن أنكر القرآن ؛ فقد أنكر الحق بذاته وصفاته ، فإن القرآن ذات وصفة ، فإن الصفة لا تقوم إلا بالذات ، ولا تنجلّي إلا بالمحلّ ؛ فلذا قال بعض الأكابر : أنا القرآن والسبع المثاني ، ففيه أسرار الحروف والكلمات ، والآيات والسور ، فإنه حرف عملي روحانية ، وآية مثالية ، وسورة جسمانية.
وهذا مراد من قال : من أراد أن يجلس مع الله تعالى (واصطنعته لنفسه) وجعله
__________________
(١) تقدم تخريجه.