مظهريته على وجه أتم ؛ أعلى من الرجوع إلى السلطان الظاهر ؛ ولذا كان العلاج
الروحاني أنفع من العلاج الجسماني في أكثر المواد.
وقس على ذلك
الرجوع إلى الله تعالى في مقام التفريد ، وأنى ذلك لكل محجوب مرتبط بالأسباب
والوسائل ؛ ولذا قلّ استجابة الدعاء ؛ فالمقصود إنما في جانب الداعي فبقدر حضوره
في مشهده ؛ يجد المطلوب ، ويصل إلى المراد.
قوله تعالى : (لَمْ يَلِدْ) [الإخلاص : ٣].
لأنه لو كان
والدا ؛ لكان متعلّقا ، ولو كان متعلّقا ؛ لجرى عليه الحل والحرمة ، ومن ثمة قال
تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ
أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [الأحزاب : ٤٠] ، فكان الحبيب من أهل هذا المقام ، وهو لا ينافي كونه أبا
الأرواح ، كما دلّ عليه قوله تعالى : (وَأَزْواجُهُ
أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦].
فالروح والد (الجسد)
بواسطة ، ووالد الروح ؛ هو النور الإلهي بلا واسطة ، كما أن والد القمر ؛
هو الشمس ، ووالد الشمس ؛ هو ذلك النور ؛ لأن نور الشمس من نور الله تعالى لا بواسطة
بخلاف سائر الأنوار.
قال تعالى : (وَلَمْ يُولَدْ) [الإخلاص : ٣].
لأن الولد
نتيجة ، والنتيجة فرع الأصل ؛ فكان آدم أبو البشر عليهالسلام من أهل هذا المقام ؛ لأن الله تعالى خلقه لا عن أبوين ،
فكان على صورة خالقه ؛ ولذلك كان مسجود ، أو ليست السجدة إلا لله تعالى؟ ومن هنا
قالوا : ظاهر الكون خلق ، وباطنه حق ، ومن صفا قلبه ؛ كان كأنه لم يلد ولم يولد ،
وإن كان والدا ومولودا.
قال تعالى : (لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤].
إذ لا أحد هنا
غيره حتى يكون كفوا له ؛ إذ الموجودات كلها مظاهر أسمائه ، ومجالي صفاته ، وههنا
كلام آخر رمزنا إليه بقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ) [الشورى : ١١] كما سبق ، فتفطّن فإن المقام من المزالق ، ومن الله التثبيت
والتمكين.
__________________