قال الله سبحانه : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) [الإخلاص : ٣].
اعلم أن العبد على صورة المولى وسيرته.
أمّا الأول : فقد دلّ عليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله خلق آدم على صورته» (١) ؛ وهي الصورة الحقيقية المعنوية المدلول عليها بالصفات السبع المرتّبة.
وأمّا الثاني : فدلّ عليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله خلق آدم ؛ فتجلّى فيه» (٢) : أي ظهر فيه بكمالات هويّته.
ولذا ورد : «تخلّقوا بأخلاق الله» (٣) : أي اظهروا تلك الأخلاق والأوصاف التي أودعها الله فيكم حين التجلّي ؛ وذلك بالمجاهدات.
كما قال : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩] : أي سبل المعرفة والمشاهدة ؛ فإن المشاهدات تورّث المشاهدات.
ولا شك أن المشاهدة موقوفة على المعرفة الصحيحة ، فظهر إن المجاهدة لها ثمرتان ؛ المعرفة الإلهية ، والمشاهدة : أي إذا كانت مجاهدة من طريق السنة كما دلّ عليه لفظة : (في) ، فخرّج مجاهدات الفلاسفة ونحوهم ؛ لأنها من طريق العقول ، والتصرّفات النفسانية لا من طريق الذكر ، واتّباع الأنبياء وسننهم ، فليس لها ثمرات يقينية مفيدة.
ولذا ضلّوا في طريقهم ، وردّوا إلى أول منازلهم ؛ وهو منزل الطبيعة التي لا نفع منها ؛ فكانت رياضاتهم بمنزلة الاشتغال بالمأمور الخسيسة الطبيعية ، فكما أن هذا الاشتغال حجب أربابه عن الوصول الروحاني ؛ فكذا الرياضة المذكورة ، فاعتبر من هذا إن كان لك عقل سليم.
ثم إن الإنسان الكامل الذي هو العبد الحقيقي لم يكن والدا ولا مولودا في الحقيقة ؛ لكونه على صورة مولاه ، وإنما قيل : له مولود ؛ لقوله صلىاللهعليهوسلم : «أنا من الله» (٤) ،
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) ذكره الجرجاني في التعريفات (١ / ٢١٦).
(٤) ذكره القرطبي في تفسيره (١ / ٢٢).