ومن هنا قالوا : أصل العالم أمر واحد ، فإذا تقرر هذا عندك ؛ عرفت أن كلا من الأسماء الثلاثة ؛ وهي : (هو) (١) ، و (الله) ، و (أحد) ذكر على حدة مشتمل على حقيقة من الحقائق ، وإن كان الكل يرجع إلى حقيقة الحقائق من حيث لا تعيينها ، فمن كان محجوبا ؛ كان (هو) عنده ضميرا ؛ لأنه غائب عن الحقائق ، وتجلياتها غيوبية الضمير.
ومن كان مكاشفا ؛ كان (هو) عنده اسما ؛ لأنه عند الحقائق وحاضر لديها ؛ فهو (عنده) (٢) بمنزلة (الله أحد) فكن عندك ، وخذ بما لك ، ولا تتعد إلى حاضر غيرك نفيا وإثباتا ، وإلا فأنت جاهل بالحقائق ، ذاهل عن الحق الصريح ، وإن كنت من أهل التقليد الحقيقي ، فأنت إذا غائب حاضر ، فأفعل بذلك فلا ضير والله الهادي إلى جنابه.
قال تعالى : (اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ٢] : كرر الاسم ؛ لأن الأول راجع إلى الذات ، وهذا ناظر إلى الصفات ؛ ومعنى الصمد : المصمود إليه.
ومنه : حال السلطان الظاهر في صورته ؛ لأن الخلق من حيث كونهم رعاياه محتاجون إليه ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) [فاطر : ١٥] : أي إلى الله الفرد الذي هو الحقيقة الجامعة لجميع الحقائق ، فإنه مبتدأ أول لجميع التأثيرات الواقعة في الأكوان ، وكذا إلى القطب الفرد الذي هو المظهر الأولى لتلك الحقيقة من حيث الاسم الباطن ، وكذا إلى السلطان الفرد الذي هو ظل ذلك المظهر من حيث الاسم الظاهر.
فما من اسم من الأسماء إلا وفيه معنى الصمد ؛ لكن فرق بين اسم واسم ، ومن هنا ظهر التفاوت بين الخلق ، فكان الرجوع إلى السلطان في المهمات أولى من الرجوع إلى من دونه من أهل المراتب ، كما أن الرجوع إلى القطب من حيث
__________________
(١) للشيخ النابلسي ـ قدسسره ـ مؤلف في الكلام على بعض معاني هذا الاسم ، وبيان مواضع وروده في نصوص الشرع ، أسماه : (تنبيه من يلهو على علمية الاسم هو). وإن شاء الله سيطبع قريبا ضمن بعض مؤلفات نادرة لسيدي عبد الغني رضي الله عنه ونفعنا به آمين.
(٢) بالأصل (عند)