سرّ الربوبية كما قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢].
وكل منزّل من التنزّلات الأسمائية منطبق على ما فوقه ، ومن ذلك الهاء في آخر هذا الاسم ؛ لأن الصفات مشتملة على الذات ، كما أن الشجرة مطوية على النواة ، فكل نهاية راجعة إلى البداية بما اشتملت عليه من الحقيقة سواء كان ذلك الرجوع بواسطة أو بغيرها ، والعارف يمشي على المراتب صورة ، ويجري على التجريد معنى ، ففيه السلامة.
(أحد) : أي في ذاته ؛ ومنه : أحدية السلطان فإنه ممكن ، والممكن ظل الواجب ، ولا يكون ظلال لذي ظل واحد ، وإليه الإشارة بقوله : «السلطان ظل الله (١)» : أي ظلّ الحقيقة الإلهية ، فانطبق المرآتان ، واستبان سرّ قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١].
فهنا رب وعبد فقط ، كما أن هناك ظلا ، وذا ظل لا غير ، فإذا كانت الهويّة أحدية في ذاتها ؛ كانت الألوهية وصورتها أيضا كذلك ، وإلى هذا أشير بما ورد : «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» (٢) ، وإنما أمر بقتل الأخر وإزالته ؛ لأن الشركة إنما نشأت منه ، فإذا قتل ، رجع الأمر إلى وحدته.
ومنه : كلمة الشهادة نفيا وإثباتا ، فاعرف.
ثم إن التصريح بالأحدي ؛ إنما هو لأزالة الأوهام ، وإبطال الخيالات ، وإلا فلا وجود في الحقيقة إلا لموجود واحد ؛ لأن الظل تابع لذي الظل ، فلا وجود له في نفسه إلا صورة ، والصورة لا تزاحم المعنى ، كما أن البدن لا يتعدد مع الروح ، إذ ليس هنا إلا ذات واحدة ؛ وإنما التعدد مبني على الاعتبار ؛ ولذا قال من قال لنا : (من أمره) روح وجسم ؛ حيث جعل كلّا من الروح والجسم من الأمر مع أن الجسم من الخلق إذ لا يختلف الأمر من اختلاف الخلق ؛ بل هما متحدان بالذات ، وإن كانا مختلفين بالصفات.
__________________
(١) رواه الحكيم الترمذي في النوادر (٤ / ١٥٣) ، والبيهقي في الشعب (٦ / ١٦).
(٢) رواه مسلم (٣ / ١٨٤٠) ، والبيهقي في الكبرى (٨ / ١٤٤).