قوله تعالى : (هو) كلمة مركبة لفظا وبسيطة معنى ؛ لأن المراد بها الهويّة الذاتية الأحدية ؛ ولذا جعلوها من الأذكار الغيبية الليلية ، وأدخلوا عليها اللام فقالوا : عالم الهوى ولا مناقشة في الاصطلاح ، ووجه التركيب من الهاء والواو ؛ إن الهاء من مبتدأ المخارج ، كما أن الواو من منتهاها.
فكما أن الهواء المتكيّف بكيفية الصوت يمرّ بالمخارج كلها إلى أن ينتهي إلى الواو شفوية ؛ فكذا سر الهويّة التأدّي في الموجودات المرتب بعضها على بعض يتجلّى في العوالم كلها إلى أن ينتهي إلى الإنسان ؛ فيكون الإنسان وحقيقته أجمع الحقائق.
كما أن الواو أجمع الحروف من حيث مرورها بجميع الحروف ومخارجها ؛ فصارت صورتا الحرف والفعل متطابقتين ، فكون لفظ هو ضميرا يدلّ على الغيب ، وكونه اسما يدلّ على الشهادة ؛ لأن المراد من الأسماء التعيّنات ؛ وهي من عالم الشهادة إضافية ، أو حقيقية ؛ ولذا كان أجلّ الأذكار عند الأقطاب المكاشفين من حيث مكاشفتهم ، وإن كانت كلمة الشهادة خير الأذكار عند المحجوبين من حيث حجابيتهم.
وفي الابتداء بالهاء ؛ إشارة إلى رجوع الكل إلى تلك الهويّة ، كما قال : وإليه ترجعون ، فكل هاء تدور على هذه الهاء كما أن قوله تعالى : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) [ق : ١] ، ناظر إلى (قل) [الإخلاص : ١] الواقع في هذه السورة ؛ لأن القرآن صفة الله تعالى ، وفيها مجد وجلالة ، كما أن هذه السورة مما يصرّح بذاته العليّة ، وصفاته الجليّة.
قوله تعالى : (الله) اسم دال على الألوهية ؛ لكن الألوهية لمّا كانت سنام الصفات الإلهية ؛ أخذت مع الذات ، وجعلت مستجمعة لجميع الصفات ، ففي هذا الاسم دلالة على تنزّل الذات من مرتبة الهويّة إلى مرتبة الصفات ؛ ليكون وسيلة إلى
__________________
ـ وو الله لا ينسب القول بالحلول أو غيره من القبائح إلى القوم بعدما ذكرناه من كلام إلا معاند مكابر ، فحمل كلامهم على مرادهم لا غير ، ولا تقلد الجاهل ـ المتحكم على الله ـ في إنكاره ، لأن الموطن موطن جرح وعقائد محلها القلوب ، والسلامة مقدمة على الغنيمة ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ، والسّلام.