__________________
ـ وقال سيدي عليّ بن وفا نفعنا الله به : إنما كانت القلوب السليمة تحنّ إلى التنزيه أكثر من التشبيه ؛ لأن التنزيه هو الأصل ، والتشبيه إنما هو تنزّل للعقول ، ومن شأن الذات الإطلاق لذاتها ، وتساوى النسب لصفاتها ، فاعلم ذلك ، ونزّه ربّك عن صفات خلقه اه.
وقال سيدي أيضا : المراد بالاتحاد حيث جاء في كلام القوم : فناء مراد العبد في مراد الحق تعالى ، كما يقال : بين فلان وفلان اتحاد ، إذا عمل كل منهما بمراد صاحبه ، ثم أنشد :
وعلّمك أنّ كل الأمر أمري |
|
هو المعنى المسمّى باتحاد |
وقال سيدي أيضا : الاتحاد لفظ يطلق ، ويراد به أعلى درجات قرب العبد من الرب اه.
وانظر يا أخي رحمك الله إلى ما قاله هؤلاء السادات في الحلول والاتحاد ؛ كي تعلم حقيقة مرادهم بتلك اللفظة ، على فرض وقوعها في كلامهم ، هو استخدام اللفظ ليس إلا ، ودليلي فضلا عمّا ذكرته من نفي القوم لذلك قال سيدي عليّ رضي الله عنه وعنا به : (إن الاتحاد لفظ) ، ولم يقل معنى أو حقيقة ، فاعلم تلك الأقوال ، وعضّ عليها بالنواجذ ، واجعلها أساس تحمل عليه كلام القوم.
وانظر قول سيدي عبد الوهاب الشعراني ـ قدسسره ـ : وعندي أن هؤلاء القائلين بالاتحاد كلهم لم يصحّ لهم اتحاد قطّ إلا بالوهم ، وانظر كلامهم تجده من أوله إلى آخره لا يبرح من الثنوية ، فإنه لا بدّ من مخاطب ومخاطب اه.
وقال أيضا في ميزانه : وإيّاك والغلط ، فإنه لا حلول ولا اتحاد ولا يلحق عبد رتبة الحق أبدا ولو صار الحق سمعه وبصره وجميع قواه ، فإن الحق تعالى قد أثبت عين العبد معه بالضمير في قوله في الحديث القدسي : «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به» ، إلى آخر النسق.
وفي كلامه رضي الله عنه ما يغني عن التعليق من نفي تلك الاعتقادات المتوهمة ، وقولى المتوهمة إنما هو بالنظر للمنكر ؛ فإننا إذا أمعنا النظر في كتابات المعترضين على أقوال الكمّل رضي الله عنهم نجدها منصبّة حول معنى غير مقصود بالمرة للقائل ، ولو ذكرت للقائل معنى تلك المقولة بتفسير المنكر لها ؛ لكان من أول المنكرين لها ، وأشدّ الناس اعتراضا عليها ، فإذن تلك العقائد المعترض عليها ليس لها وجود إلا في عقل المنكر ؛ فإنه اعترض على ما فهمه هو ، لا على حقيقة المراد باللفظ.
فإذن الخلاف ليس في المعاني ، وإنما هو خلاف نشأ عن استخدام تلك الألفاظ ، ودليلي في ذلك ما ذكرته لك من أقوال هؤلاء الأئمة ، فخذ تلك القواعد واحكم عليهم بمقتضى قولهم تجدهم جميعا أقرب الخلق إلى الله وإلى رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وأعرفهم بالله ورسوله صلىاللهعليهوسلم. وأشدهم تمسكا بكلو الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم
فإن قلت : فكيف العمل في تلك الأقوال الكثيرة المشحونة باستخدام تلك الألفاظ الموهمة؟!
أقول لك : بعد ما تقدم ذكره من القول إن لم تستطع قبول تلك الأقوال ولم تفهم المعنى الموافق للشرع الذي هو يقينا مراد القائل فتأولها بما يوافق الشرع ؛ فإن الكتب الفقهية والشرعية مليئة بالتعارض والترجيحات وتأويل الأقوال والأدلة المتعارضة ، فقس على ذلك ، وإن لم تستطع فلا تعمل إلا بما وافق الشرع وفوض أمر ما صعب عليك إلى الله ، والله هو الموفّق.
واعلم يا أخي أني لم أذكر لك جميع كلام القوم في نفي الحلول والاتحاد ووحدة الوجود المتوهمة وإنما ذكرت لك طرفا منه ؛ فإنهم نبّهوا عليه كثيرا ، فاختر يا أخي لنفسك ، (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) ،