__________________
الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)[الكهف : ١٠٤] ، فترى دافع المتقدمين الجاهلين بعلوم العلماء بالله ـ كابن تيمية ـ إلى الإنكار : الحقد ، والحسد ، وحب السمعة ، ودافع المتأخرين : الجهل الذي ملأ قلوبهم ، (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ)[الأعراف : ١٧٩] ، فتراهم ينقلون أقوال إخوانهم الذين يمدونهم في الغي دون أدنى معرفة بالدليل الذي استند إليه العلماء بالله ، ولا يستبرئ لدينه ؛ فيبحث عنه ، بل أخذوا يكررون ويرددون الأقوال المنكرة في حق سادات الأمة المحمدية ورثة الأنبياء ـ رضي الله عن جميعهم ـ تلك الأقوال العارية بالطبع عن دليل القوم ، وكان الأحق بهم قبل أن يؤذنهم الله بمحاربته بإيذائهم لأوليائه أن يأخذوا العلم من أهله ، وخصوصا أن علوم القوم موضوعها العقائد المتعلقة بمعرفة الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم ، وتلك أمور محلها القلب ، فلا اطلاع عليها إلا لصاحبها. ولا تظن يا أخي أن علوم القوم خالية عن تأييد الشرع ، أو عارية عن الدليل ، كما صورها هؤلاء الجهلة للعامة من المسلمين ، أما علماء أمتنا ومفكريها ـ المتقيدين بالحق والشرع ـ فإنهم يدركون للمرة الأولى عند سماع علوم القوم أن لهذا الكلام صولة ليست بصولت باطل ، بل الحق الذي لا مرية فيه أنه لا توجد عقيدة قررها القوم في كتبهم إلا وهي محاطة بالدليل الشرعي ، والمتتبع لأقوالهم ـ نفعنا الله بهم ـ يجدها مصحوبة بالدليل.
فتبرأ لدينك يا أخي ، وإيّاك أن تعترض على أحد من العلماء بالله بجهلك في أمر جهلته من كلامهم ، أو أن يكون لك أيّ نسبة تربطك بهذا الاعتراض ، فالأمر جدّ وليس بالهزل.
وانظر كيف نسبوا إلى الله في تسميتهم ؛ بل وحقيقتهم في قول : أولياء الله ، أو العلماء بالله ، أو العارفين بالله ، قال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[يونس : ٦٢] ، فما عاديت في الحقيقة إلا ما نسب لله ، فانتبه من رقدتك.
واعلم أني ما ذكرت لك تلك المقدمة في هذا الموضع إعلاما منّي بأن واحدا من العلماء بالله يقول بالحلول أو الاتحاد معاذ الله ، ولكن لأوضح لك حقيقة الخلاف ، والله يتولى هداك ، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وإليك نصوص ما ذكره ساداتنا العلماء بالله في نفيهم للحلول والاتحاد المتوهّم في حقهم الشريف ، فأقول وبالله التوفيق : قال سيدنا في «الفتوحات» في باب الأسرار : من قال بالحلول فهو معلول ؛ فإن القول بالحلول مرض لا يزول ، ومن فصل بينك وبينه فقد أثبت عينك وعينه ، ألا ترى قوله : (كنت سمعه الذي يسمع به) ، فأثبتك بإعادة الضمير إليك ، ليدلك عليك ، وما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد ، كما أن القائل بالحلول من أهل الجهل والفضول ؛ فإنه أثبتك حالا ومحلا ، فمن فصل نفسه عن الحق فنعم ما فعل.