سورة الإخلاص
قال الله سبحانه وتعالى : (قُلْ) خاطب به النبي صلىاللهعليهوسلم مع أن القائل في الحقيقة هو نفسه تعالى كما دلّ عليه بعض الإطلاقات وهو ينظر الأمر بالعلم في قوله : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد : ١٩] ؛ لأن العالم أيضا هو ذاته تعالى ، ففي كل منهما إشارة إلى ذنب مستغفر عنه في قوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) ، فلا بد من إزالة النسبة من البين ؛ ليظهر اتحاد العين (١).
__________________
(١) قلت : معاذ الله أن يقصد المصنف اتحاد الذوات كما يتوهم من ظاهر العبارة فإن عقيدة السادة الصوفية رضي الله عن جميعهم ومنهم المصنف بريئة من ذلك ـ والله يعلم ـ فما استخدم المصنف هذا التعبير إلا اصطلاحا ، ومعلوم أن لكل أهل علم من العلوم اصطلاحات يخرجون بها عن المعنى اللغوي للكلمة المستخدمة فكلمتي الصلاة والسنة ـ مثلا ـ يختلف معناهما بين أهل الأصول والمحدثين والفقهاء وأهل اللغة فلفظ الاتحاد حيث جرى في كلام القوم لا يكون المقصود به المعنى اللغوي بل أمر آخر هو ما أذكره لك من خلال نقل كلامهم في بيان تلك المسألة (مسألة الحلول والاتحاد ووحدة الوجود) فقد كثر فيها الكلام من العالم والجاهل ، وتخبطت الآراء ، وتنازعت ، ونسبها ظلما وعدوانا الكثير من الجهلة قديما وحديثا إلى سيدنا الشيخ الأكبر وأكابر الأولياء : كالشيخ سيدي عبد الكريم الجيلي ، والشيخ القوني ، والشيخ ابن سبعين ، والشيخ ابن الفارض ، وغيرهم رضى الله عن جميعهم ، وتبعهم على ذلك أتباعهم من المتأخرين ، وإن شئت قلت : أعوانهم في تلك الجهالة ، وكان مدخلهم إلى هذه النسبة وتلك الاعتراضات وتجرؤهم على ما يجهلونه من علوم الأولياء نظرهم إلى علوم القوم باعتبار أنها علوم فلسفية ، مصدرها الفكر والعقل ، وكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) [البقرة : ٢٨٢] ، ولا قوله تعالى : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) [الكهف : ٦٥] ، ولا قوله تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف : ١٠٨] ، ولا قوله تعالى : (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) [آل عمران : ٧٩] ، ولا قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) [السجدة : ٢٤] ، ولا ما روي ـ وصح ـ عن أبي جحيفة قال : سألت عليّا رضي الله عنه : هل عندك عن النبي صلىاللهعليهوسلم شيء سوى القرآن؟ فقال : «لا ، والذي خلق الحبة ، وبرأ النسمة إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن وما في هذه الصحيفة».