حجابه ، وكانت تلك الغلظة معنوية في الدنيا ، ثم تكشّفت صورة في الآخرة ، فاجتمع أيضا ثقيل وخفيف ، فغلب الثقيل فأهوى بصاحبه إلى السافل الذي هو السجّين.
والحاصل : إن ثقلة العمل ، وخفة الروح مقبولتان ، وأمّا عكس ذلك بأن يثقل الروح ، ويخفّ العمل فغير مقبول ، فخفة الروح وثقلته هما عاملان في الإصعاد والإهباط لا خفة العمل وثقلته ، فإن ذلك تابع لخفة الروح وثقلته ؛ وإنما لم يكتف بإخبار أن أمه هاوية حتى وصفها بكونها نارا حامية ؛ لأن مجرّد الهوى والسقوط لا يقتضي النار الحامية ، وعلى تقدير استلزامه للتعذّب بالنار ، فالنار قد تكون شديدة ، وقد تكون خفيفة ، فوصفها بالحامية ؛ ليدلّ على شدّتها كما دلّ عليه قوله تعالى : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) [النبأ : ٣٠] ، فلو عذّبوا نفوسهم في الدنيا بنيران الحرارات ، وزادوا فيه بأنواع الرياضات ؛ والمجاهدات ، لمّا زاد الله عذابهم في الآخرة ؛ بل لم يعذّبه ، فإن المعذّب لا يعذّب مرتين ، وفي العذاب معنى آخر من طريق الذوق ، العذاب يعرفه أهله.
وفي وقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ) [القارعة : ١٠] ؛ إشارة إلى أن بعض الأمور خارجة عن الدراية ، وعلى تقدير دخولها فيها ، فقد تختلف بالشدة والضعف بحيث لا يهتدي العقل إلى درك حقيقتها ، وقد صحّ أن الله ، وإن كان لا يكلف نفسا إلا وسعها لكن فرّق بين كيفية ، وكيفية ، فاعرف.
* * *