وفي سورة القارعة
قال الله سبحانه وتعالى : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ* فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ* وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ) [القارعة : ٦ : ١١].
اعلم أن ثقلة الموازين عبارة عن : وجود الأعمال الرزينة لها التي لها وزن عند الله ، وقدر دلّ عليه العيشة الراضية ؛ لأن عيشة الرجل في الجنات ؛ إنما هي بأعماله ؛ لأن درجاتها ونعيمها مقسومة بقدرها ؛ فهو إنما يدخل بثقل الموازين جنة الأعمال.
وخفة الموازين عبارة عن : عدم الأعمال المقبولة دلّ عليه قوله : فأمه هاوية ؛ لأن الله لا يقيم لمن خفت موازينه يوم القيامة وزنا ومقدارا ؛ فيهوى في النار التي هي أصله ؛ لأن كل ظلمة ، وظلماني ؛ إنما هو من النار ، كما أن كل نور ، ونوراني ؛ إنما هو من الجنة.
وفيه إشارة إلى أن الأعمال تتجسّد يوم القيامة ؛ فيكون لها ثقل وخفة ، كما ذهب إليه أهل الشرع ؛ لأن الأعراض لا توصف بذلك ، وكان الظاهر أن تكون ثقلة الموازين بسيئات الأعمال ؛ لتهبط بصاحبها إلى النار التي في الأرض السافلة ، وأن يكون خفتها بصالحات الأعمال ؛ لتصعد بصاحبها إلى الجنة التي في السماء العالية ؛ لكن اعتبرت الثقلة بالصالحات ، والخفة بالطالحات ؛ لأن الجسم هو الذي يتّصف بالثقل ، والخفة ، فوجود الصالحات مما يقتضي جسامتها ، ووزنها ، وقدرها ، وصعودها ليس من حيث وجودها ، وثقلها في نفسها ؛ بل من حيث حال عاملها.
فإن العامل لا بد وأن يكون مخلصا بالكسر ؛ بل مخلصا بالفتح ، والمخلص لا وجود له في نفسه ؛ لأنه فان عن أعماله ، والتعلّق بها ، فاجتمع ثقيل ؛ وهو العمل ، وخفيف ؛ وهو حال العامل ؛ فارتفع ميزانه إلى جانب العلو ؛ كالروح مع الجسد ؛ فإنه لو لا الروح لم يكن للجسد قيام بنفسه.
والحاصل : إن روح العمل ؛ كروح الجسد ، فلا يقوم إلا به ، وأمّا وجود الطالحات فهو عدم الصالحات ، والعدم وإن كان لا يقتضي الثقلة والخفة لكن صاحبه أثقل الثقلاء ؛ ولذا كان ضرس الجهنّمي كأحد ، وبدنه مقدار مسافة ثلاثة أيام ؛ لغلظة