وفي سورة نوح :
قال الله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [نوح : ١].
أشار بنوح إلى الروح ، فإن (ن) أربع مرات راء ، وذلك من حيث المراتب الأربع التي حصلت للروح من حيث أولية ، وآخرية ، وظاهرية ، وباطنية ، فالروح نوح : أي سابق على قومه من القوى الروحانية ، والأعضاء الجسمانية ، وإذا الفاعل قبل القائل ، وقد أرسله الله إلى قومه ؛ فهو المؤثّر فيه لا غيره تعالى ؛ لأنه لا غير هنالك حتى يكون هو المباشر للإرسال.
وكذا كل الإرسالات الواقعة في الدنيا ؛ فإنها كلها مضافة إلى الله تعالى ، فإن الإرسال إمّا من الشيخ المرشد ؛ فذلك مضاف إلى الإلهام الإلهي ، وإمّا من الجناب النبوي ؛ فذلك مضاف إلى الوحي الربّاني ، والكل ؛ لكن المظاهر متعددة بحسب المقامات والأطوار ، وقد يترقّى السالك في بعض المواطن إلى حيث يأخذ الإذن من الله تعالى بلا واسطة ، وذلك لا يلزم منه ترك الوساطة ، فإن ذلك بشفاعة الواسطة ، أو باستهلاك الكل في عين الجمع ، وليس هناك إلا الله تعالى.
وقد قال تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] ، فأثبت المخاطب بالفتح ، والمخاطب بالكسر.
وقد سمعت عن شيخي ، وسيدي الشيخ الإلهي الفضلي أن شيخه أرسله إلى بعض البلاد بالخلافة ، فلم يقبلها ؛ بل اختار الإقامة مع الشيخ في مقامه إدامة لخدمته حتى رأى الله تعالى تلك الليلة ؛ وهو مناوله المصحف ، وقال : هذا كلامي فخذه ، وادع إليّ عبادي.
وكان من أمري أيضا أن حضرة الشيخ قدسسره : أمرني بالهجرة من أرض إلى أرض حتى لمّا أقمت ببلدة برونة قريبا من خمس وثلاثين سنة ، وظهرت الاختلافات الآفاقية بين الخلق لا سيما بين أهل الإيمان ، وأهل الحرب ، فوقعت الإشارة الأكبرية والخضرية بالهجرة إلى طرف الشام ، ولم أكن أتردّد في ذلك أصلا ؛ لكن أردت الإذن الصريح من جهة حضرة الشيخ أيضا فور تلك الليلة.
هذه الآية وهي : (إنا أرسلنا) يعني : إنّا أمرناك بالهجرة ، وأرسلناك إلى جانب الشام ، فلا حاجة إلى الإذن الصريح من جهة الشيخ ؛ لأن إذنه مستهلك في أذني.
* * *