فإن الكسل في الظاهر إنما هو من آثار الفتور الباطني ، وعدم الجدّ والعزم في القلب ، فالصورة تابعة للمعنى بخلاف العكس في بعض المواقع دلّ عليه قوله صلىاللهعليهوسلم حين رجع من غزوة تبوك : «إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديّا إلا وهم معنا ، حبسهم العذر» (١).
فيكون المراد من قوله تعالى : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٩٥] أي : من هو قاعد بعذر ؛ فهو مع المجاهدين حكما كما دلّ عليه الحديث ، فظهر من هذا أن السير : إمّا سير بالظاهر ، والباطن جميعا ، وإمّا سير بالباطن فقط ، ومن ذلك عدم خروج بعض الأولياء إلى الغزو ، والحج الصوري ؛ فإنهم المعذورون المتوقّعون لأمر الله ، فمجاهدتهم مع نفوسهم أعظم من مجاهدتهم مع أرباب النفوس ، وكذا حجّهم ربّ البيت أقوى من حجهم البيت ، على أن البيت قد يزورهم ، وهم في مقامهم قائمون ، وهذا لا يلزم منه ترك الأمر في الشرع.
فإن المأمور صورة أو معنى لا بد له من الأمثال ، وخفى أحوال الخواص على العوام : بل على أهل الخصوص في الجملة ، فطعنوا فيمن هو فوقهم من غير شعور بحقيقة الحال ، فعليك أن تسجد وتنقاد للإنسان الكامل في أقواله وأفعاله ؛ فإنها شرع كلها ، ومن كان سلطانا ؛ فله قول وفعل يكون له قانونا ، فكيف حال من كان سلطانا للسلطان؟ فإن السلطان الظاهر إنما هو ظلّه ، ومن خرج عن هذا الانقياد ولو كان سلطان ؛ فسوف يلحقه ذلّ لا مدفع له ، ومن الله العصمة ، ومن الزّيغ والضلال في كل حال.
__________________
(١) ذكره المنذري في الترهيب والترغيب (١ / ٢٥).