فإن قلت : قد ثبت : «أن الله في قبلة المصلّي (١)». ولذا يوضع اليد على الصدر بعد الرفع إلى نداء المنكب بالنسبة إلى النساء ، كما أنه تعالى هو القاهر فوق عباده ؛ ولذا يوضع اليد تحت السرّة بعد الرفع إلى ما فوق الصدر ؛ وهو الإذن وذلك بالنسبة إلى الرجال ، قلت : ذلك تعظيم لوجه المصلّي.
وقد ثبت عند أهل الله : إن الوجود الحق وجه كله ، فلا قيد لله تعالى على كل حال ، وللمصلّ قيد في خارج الصلاة ، وإطلاق في داخلها ، كما أومأنا إليه آنفا ، فإن قلت : هل فرق بين أركان الصلاة؟ قلت : نعم ؛ فإن السجدة هي العمدة منها ؛ لأنها إشارة إلى فناء ذات المصلّي في ذات الحق تعالى.
ولذا قال : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق : ١٩] ؛ يعني أن الاقتراب الحقيقي المعنوي إنما يحصل بالسجدة ؛ ولذا كان معظم أركانها.
ولمّا طلب بعض الناس جواره صلىاللهعليهوسلم في الجنة قال : «أعنّي بكثرة السجود» (٢) ؛ وذلك إشارة إلى أنواع الفناء من فناء الأفعال ، والصفات والذات ،.
وسجدة القلب أزلية أبدية بالنسبة إلى الكمّل ؛ ولذا كانوا على صلواتهم دائمين من الأزل إلى الأبد. وأمّا غيرهم فليس لهم سجدة القلب ؛ بل سجدة القالب ، ولئن سلّم ، فكم من فرق بين سجدة وسجدة ، فأين استسلام الخليل عليهالسلام ونحوه ، وأين استسلام غيره ، فعليك بسجدة الفناء حتى تصل إلى اللقاء.
قال الله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥].
: أي تسجد لآدم الذي خلقته مشتملا على التنزيه ، والتشبيه ، واللطف ، والقهر ، والجمال ، والجلال (٣).
وهي الصورة الإلهية ؛ لأن أسماءه تعالى منها جمالية ، ومنها جلالية ، ومن صفاته
__________________
(١) ذكره ابن قدامة في المغني (١ / ٢٦٤) ، والشوكاني في نيل الأوطار (٢ / ١٥٨) ، وابن ناصر في مجمع البحرين شرح الفصين (ص ٣٣٥) بنحوه.
(٢) رواه الطبراني في الكبير (٢ / ٢٤٥) ، وذكره ابن حجر في الإصابة (٦ / ١٢٥).
(٣) ومعنى الآية : أي يدي تنزيه وتشبيه ، وإن شئت قلت : يدي وجوب وإمكان ، وقدم وحدوث.