في سورة المعارج
قال الله سبحانه وتعالى : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) [المعارج : ٢٢ ، ٢٣].
اعلم أن دوام الصلاة لا يمكن بالصورة ؛ بل بالمعنى ؛ وذلك أن من سجد قلبه لله تعالى سجدة حقيقية ، وخضع خضوعا تاما ؛ فإن عبادته لله تعالى مستمرة سواء كان على اليقظة ، أو على النوم ؛ لأن النوم إنما يجري على صورته لا على قلبه.
كما أشار إليه النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : «ينام عيناي ولا ينام قلبي» (١)(٢).
فإذا كان قلب الرجل يقظانا ، سرى ذلك في جميع أجزائه وقواه ؛ فإن القلب أصل القوى والجسد ، فإذا صلح ؛ صلح القوى والجسد كلها ، كما أنه إذا فسد ؛ فسد القوى والجسد كلها.
ومن هاهنا قيل : إن نوم العالم عبادة ، ونفسه بفتح الفاء تسبيح ؛ والمراد بالعالم هو الذي فوق العارف ؛ وهو من كانت نسبته إلهية ، والعارف من كانت نسبته ربّانية ، فالنسبة الأولى من عالم الأمر ، كما أن النسبة الثانية من عالم الخلق ، والعالم هو المشاهد المعاين ، والعارف هو المطّالع المكاشف.
وقوله : «من عرف الله ؛ كلّ لسانه» (٣) ؛ إشارة إلى الفناء.
قوله : «ومن عرف الله ؛ طال لسانه» (٤) ؛ إشارة إلى البقاء.
فإذا كانت المعرفة تامة حقيقة إلهية وجوبية ؛ فهو العلم بالله ، وهو العلم اللدني ،
__________________
(١) رواه أبو داود (١ / ٥٢) ، والترمذي (٤ / ٥١٨) ، وأحمد في المسند (١ / ٢٢٠).
(٢) فهو صلىاللهعليهوسلم نائم حسّا ليس نائما معنى كما أن موته كذلك ، وهذا مقام ما ناله بالهيئة الكاملة هذه بشر سواه ، مع أنه ببشريته قد وقع له تخلل بهذا المقام دون روحانيته.
واعلم أن الكامل إذا تخلق بالأسماء الإلهية وتحقق بها يصير ملحوظا من جانب الأزل محفوظا بالكلية عن أن يلم به الخطأ أو يعرض له الزلل لكونه تخلق في جميع حركاته وسكناته بأسماء الحق ، وتحقق في ذاته وصفاته بطهارته عن أحكام ما سوى الحق بحيث لم يبق له فعل سوى فعل حق بحق لحق.
(٣) ذكره القاري في المصنوع (١ / ١٨٩) ، والعجلوني في كشف الخفاء (٢ / ٣٩٤).
(٤) لم أقف عليه بهذا اللفظ.