وفي بعض الروايات : «الدعاء مخ العبادة» (١) :
يعني : كما أن العظم ، وما يتعلّق به من اللحم ونحوه ؛ إنما هو بالمخ ؛ فكذا العبادة إنما تقوم بالدعاء ؛ وهو طلب الحاجة من الله تعالى بالقلب ، وسؤالها منه باللسان.
فإن قلت : معنى العبادة ، والتذلّل ، والخضوع ، وكذا معنى الدعاء ، فأحدهما يغني عن الأخر ؛ قلت : العبادة حال البدن ، والدعاء حال القلب ، واللسان ، وليس كل تذلّل يقتضي الالتجاء إلى الله تعالى في المهام ، والمصالح.
وفيه إشارة إلى أن حال القلب أقوى ، وأتم من حال اللسان والبدن لكن من انفرد بأحدهما ؛ لم يعتد بحاله ؛ لأن الله تعالى جعل الظاهر مقام الشريعة ، والباطن مقام الحقيقة ، ومن تحقق بمقام الحقيقة ؛ لا بد له من مقام الشريعة ؛ إذ كل إناء يترشّح بما فيه ، فظهر من هذا زيغ من انخلع عن لباس الشريعة ، وقصور من لم يتلبّس بلباس الحقيقة ، مع إمكان الجمع بينهما ؛ لجمعية نشأة الإنسان ، وإلى الله السّكنى من أهل عصر يسجدون الله تعالى ، ثم إذا رفعوا رؤوسهم ؛ قاموا إلى حوائجهم من غير رفع الأيدي إلى الله تعالى.
نعم لأهل الحقائق مقامات ، فدعاؤهم في كل مقام بما يليق به ؛ لأن الله تعالى أطاعهم في إراداتهم كما دلّ عليه قول أبي طالب : ما أطاعوك ربك يا محمد.
وقوله صلىاللهعليهوسلم له : «وأنت يا عم لو أطعته ؛ أطاعك» (٢) ، فمراعاة الصورة والمعنى من آثار الصالحين ، ومحافظة الظاهر والباطن من آثار المحققين ، فعليك بالوقوف عند آثارهم ، والاستنارة بأنوارهم ، والوصول إلى أسرارهم.
__________________
(١) رواه الترمذي (٥ / ٤٥٦) ، والديلمي في الفردوس (٢ / ٢٢٤).
(٢) ذكره ابن حجر في الإصابة (٧ / ٢٣٦).