في سورة التغابن
قال الله عزوجل : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن : ١١].
اعلم أن الهداية هداية أولى ، وهداية ثانية.
فالهداية الأولى : هي الهداية إلى الإيمان.
والثانية : هي الهداية إلى حقائق الإيمان.
كما دلّ عليه التصريح بالقلب ، فإن هداية القلب ؛ إنما هي إلى الحقائق ، إذ كل منهما من عالم الملكوت ، كما أن هداية النفس إلى المقاصد الحسّية ، إذ كل منهما من عالم الملك ، فللمؤمن نصيب من الهدايتين ؛ لأنه اختار الإيمان أولا ؛ فهداه الله إليه ، وخلقه الله فيه ، واختار حقائق الإيمان ثانيا ؛ فهداه الله كذلك ؛ لأن قلب المؤمن لا يزال من حيث استعداد يطلب الترقّي إلى عالم اليقين.
فمن هداياته تعالى له : أن يقذف نورا في قلبه ؛ يفرّق به بين الحق والباطل.
ومن هداياته : كشف الغطاء عن بصيرته ؛ ليريه ملكوت السماوات والأرض.
ومن هداياته : أن يوصّله إلى سرّ الحقيقة ؛ وهو كون العين واحدة في مرائي متعددة ؛ وهو سرّ التوحيد.
ومن هداياته : أن يقبضه عن الآفاق ، ويهديه إلى السرّ المودع في الأنفس ؛ وهو التجريد.
ومن هداياته : أن يقطعه عن الأنفس أيضا ، ويهديه إلى ذاته في مقام التفريد.
وكل ذلك وأمثاله له ، ومن هدايات القلب وكمالاته ، وليس للكافر نصيب من الهدايتين ؛ لأن الهداية الثانية متفرّعة من الهداية الأولى ، فإذا لم يكن له نصيب منها ؛ لأنه اختار الكفر على الإيمان ، كما صرّح به في مواضع من القرآن ؛ لم يكن له نصيب من الثانية ، فكل هداية ؛ فهي للمؤمن بقدر استعداده ، وكل ضلالة ؛ فهي للكافر على حسب استحقاقه ، والله الهادي للمؤمنين إلى مراتب الإيمان ، والإحسان ، والتمكين.
في الحديث عند القضاعي : «الدعاء هو العبادة» (١) :
__________________
(١) رواه أبو داود (٢ / ٧٦) ، والترمذي (٥ / ٢١١).