فظنوا أن سلوك الأنبياء ، وأكمل الأولياء من النفس الراضية المرضية الصافية ، فإن هذا السلوك لا ينافي أمارية النفس في الحقيقة ؛ لأن الكلام في الفعل لا في القوة ، ولم يظهر من الأنبياء آثار الجلال بالفعل ؛ فهم كالملائكة في صورة البشر ، ويدلّ على ما ذكرنا قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) [يوسف : ٢٤].
وقوله : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) [يوسف : ٥٣].
وقوله : (أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) [يوسف : ٣٣] ، فاعرف هذه الجملة ، والله أرحم الراحمين ، وبيده نواصي العباد أجمعين.
* * *
في سورة الطلاق
قال الله سبحانه وتعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق : ٣] صدق الله العظيم.
هذه الآية الشريفة جامعة لأنواع التوكّل ، وأضاف الحاجات ؛ فإن اسم الله تعالى جامع لمراتب الأسماء التي لا يتجاوزها حاجات الناس مع اختلاف مراتبهم ، وتفاوت طبقاتهم ، فمن ذكر كان أو أنثى ، عبدا كان أو سيدا يتوكّل على الله الرزّاق في أمر الرزق ؛ فهو حسبه فيه.
ومعنى التوكّل : أن يجعل الله تعالى وكيلا له ، كما قال الله تعالى : (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [المزمل : ٩].
ولذا قالوا : التوكّل كله الأمر كله إلى الله تعالى ؛ وكذا من يتوكّل على الله الشافي في باب الشفاء عن أمراضه الجسمانية والروحانية ؛ فهو حسبه فيه ، وكذا من يتوكّل على الله الجامع في خصوص الجمع لما تشتّت منه ، وتفرّق ؛ فهو حسبه ، وكذا من يتوكّل على الله الغني في مغني الغني ، ودفع الافتقار بكل وجه من الوجوه غير الافتقار الذاتي ، فإنه لا يرتفع أبدا ؛ فهو حسبه فيه ، ومن يتوكّل على الله العزيز في دفع ذلّة الذي هد يعطر ذلّ اليهود ؛ فهو حسبه فيه.
ومن يتوكّل على الله المكرم في إزالة إهانته الموجبة لهوانه بين الناس المقتضية للاستيحاش عند الاستنباش ؛ فهو حسبه ، ومن يتوكّل على الله القوي ؛ لرفع ضعفه الحاصل له من مرضه أو من غيره إلا الضعف الخلقي الذي أشار إليه قوله تعالى :