الذي هو جانب الروح ، وكل تأثّر إنما هو من الجانب السّفلي الذي هو جانب الجسد ، فانظر إلى هذا الامتزاج بين الحقيقتين الداخلتين في وجودك إذ لا خارج عنك ، فقوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] ؛ إشارة على ما قلنا ، فإن القول هو اللقاء ، والاقتران الذي به يظهر الوجود المشار إليه بقوله : (كن فيكون).
قوله تعالى : (بَيْنَهُما) [الرحمن : ٢٠] : أي بين البحرين المذكورين : (بَرْزَخٌ) [الرحمن : ٢٠] من القدرة الإلهية : (لا يَبْغِيانِ) [الرحمن : ٢٠] بحيث يكونان بحرا واحدا.
فإن الواجب لا يكون ممكنا أبدا ، وكذا الممكن لا يكون واجبا أبدا ؛ إذ لا وجود له بالنسبة إلى وجود الواجب ، فهو هو ، وأنت أنت ، ولقد كشف هذا الغطاء من قال : ليس من الله على الكون أثر ، ولا من الكون على الله أثر ؛ ولذا قال بعض الأكابر : كن عبد الرب ، ولا تكن رب العبد ، وذلك بإظهار الخوارق ، فإن الحديد ، وإن كان محميّا على صورة النار ؛ فإن جوهره على أصله من غير استحالة ، وكثير من السالكين ضلّوا في هذا المقام ، فما رجعوا إلى الطريق إلا بتوفيق الله ، الملك ، العلّام.
فتفكر يا ضعيف خلقت ضعيفا ، ومعك قوى بقلبك حيث شاء لا حيث شئت ، فإنه ليس لك مشيئة إلا بمشيئة الله كما قال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] لكن الله إنما شاء ما سأله لسان الاستعداد ، فقد لزمك الحجة فاسكت ، واصبر في مواضع القضاء ، ومواقع القدر ، فإن الأمر لا ينقلب ، والحال لا تتبدّل ، [...] والله المعين.
وقوله تعالى : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) [الرحمن : ٧٢].
أي : أسرار حفية محبوسة في خيام القلوب والأرواح ، والأسرار لا يطّلع عليها إلا أهلها ؛ كالنساء اللائي تحت خيام الدنيا لا يظهرن إلا على أزواجهنّ ، وكل من هذين النداءين مستمر إلى آخر الزمان إلا أن النداء قلّ من يجيب له ؛ لأن الأسماع مسدودة ، والأفواه مقفولة ، والقلوب مختومة غالبا.
واقتضت الحكمة الإلهية غلبة أحكام الإمكان على أحكام الوجوب في كل زمان ، فلم يحصل على الحق إلا واحد من الألف ، كما يقتضيه الاسم الأعظم الحاكم