في سورة الرحمن :
قال الله سبحانه وتعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) [الرحمن : ١٩].
هما بحر الوجوب ، وبحر الإمكان.
والبحر في الحقيقة ؛ هو بحر الوجوب ؛ لاتساعه ، لا بحر الإمكان ؛ لضيقه إلا أنه لمّا جمع معه في محل واحد عبّر عنه بالبحر ، نعم إن الوجوب ، وإن كان أوسع من الإمكان ؛ لكن ظهور الشيء في الشيء ؛ إنما هو بقدر قابلية المحلّ ، فيكونان سواء دلّ عليه إنهم جعلوا دائرة الوجود نصفين ، وجعلوا الخط المتوهّم فاصلا بين القوسين ، فالوجود ؛ كالقوسين أحدهما : قوس الوجوب ، والآخر قوس الإمكان ؛ وإنما جعلوا الخط متوهّما لا محققا ؛ لأن الوجود الإمكاني اعتباري مفروض ؛ لتمييز الحقائق ، والمراتب ، فإنه لو لا الاعتبارات ؛ لبطلت الحقائق.
قوله تعالى : (يَلْتَقِيانِ) [الرحمن : ١٩].
التقاء الروح بالجسم ؛ لأن الروح في الحقيقة بحر الوجوب ، والجسد بحر الإمكان ، وإن كان مخلوقا كما ورد : «أول ما خلق روحي» (١).
إلا أن الخلق لمّا كان بمعنى اقتران الوجود بالماهيات ؛ عدّ الروح قديما ؛ لأن ظهوره بالتجلّي النوري لا يخرجه عن حقيقته ؛ ولذا قالوا : إن الوجود ليس بأمر زائد على الماهية ؛ بل الوجود والماهية أمر واحد في الحقيقة ، وإنما قيل للماهية : وجود باعتبار ظهورها في الخارج باجتماع لوازمها.
فالروح هو النفس الرحماني الذي تروّحت به الأسماء ، وتنفّست به الماهيات والحقائق ، فالنفي بالجسد ؛ ليظهر في كون واحد حقيقتان الحقيقة الواجبة الفاعلة المؤثرة ، والحقيقة الممكنة القابلة ؛ لأن الحقيقة الأولى حقيقة علوية ، والثانية حقيقة سفلية.
ولا شك أن التأثير إنما يجيء من العلو ، وعلى صورتهما خلق الله السماوات والأرض ، فالمرض مثلا في البدن من أحكام الجسد ، والوجع الحاصل منه من أحكام الروح الحيواني المستند إلى الروح الإنساني ، فكل تأثير إنما هو من الجانب العلوي
__________________
(١) لم أقف عليه هكذا ، والمشهور : «نوري».