وفي سورة الطور
قال الله تعالى : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) [الطور : ٤٨].
جمع العين الكثرة عيون الأسماء الحافظة ، على أن وجود الحق وجه كله ، والوجه عين كلها ، ومن ثمة كان النبي صلىاللهعليهوسلم عينا كله ، وهو في الصلاة المقتضية للمحاذاة الإلهية ، ولذا كان يرى من قدام ومن خلف ، فالحضرة الواحدة إذا كانت مخفوفة بالعيون الكثيرة فلا يمسها الأيدي وإن تطاولت ، ولذا قال تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] ، أراد بالجلالة الأعين ، وأسماء القدرة والإرادة ، وقد يعبر عن الأسماء الجزئية بالأيدي.
كما في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) [يس : ٧١] ، فإن المقصود توجه الأسماء الجزئية لخلق الأنعام المتنوعة ، ولذا جمعها.
وأمّا قوله تعالى : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] في حق أبي البشر ، فإن التشبيه فيه إشارة إلى الجمال والجلال ، واللطف والقهر ، والتنزيه والتشبيه ، فكل منهما يد كلية ، متوجهة لخلق آدم الذي جمع الله تعالى فيه الجموع ،.
وأمّا قوله تعالى : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحجر : ٢٩].
فإنما أفرده ؛ لأن ذلك راجع إلى الذات ، وهي واحدة بخلاف الصفات ، والمراد بالروح ؛ النفس الرحماني ؛ لأن كل ذي روح إنما يتنفّس بالروح ؛ لكن إضافة إلى نفسه ؛ لأن المراد به الروح الإنساني الذي هو مظهر سرّ الإلهي ، لا الروح الحيواني الذي هو مدار الحسّ والحركة ، فإن ذلك من شعبه.
ويشارك الإنسان فيه جميع الحيوانات بخلاف الروح الإضافي ، والملك وإن خلق من نور ؛ لكن ليس له من الروح ما للإنسان منه ؛ ولذا أضافه تعالى إلى نفسه ؛ لأن الإنسان هو الذي صار خليفة الله ، وجمع جميع الأسماء على جناح الجمال فقط ، والجن على جناح الجلال فقط ، وسائر الأشياء دون ذلك في الأسرار بالفعل ، وإن كان في كل ذرة ما في الكل.
* * *