فإن الحسي أقوى منه .. هذا ما ألقي في البال ، والله أعلم بحقيقة الحال.
قال الله سبحانه وتعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) [البقرة : ٢٨٢].
أخبر التعليم عن الأتقياء إشارة إلى أن العلوم الحقيقية ، والمعارف الحقّانية ؛ هي التي تنشأ عن التقوى ، فما عداها علوم ، ومعارف نفسانية شيطانية.
فالعلوم والمعارف الحقّانية الرحمانية ؛ هي التي ألقاها الله سبحانه في قلب عبده المتّقي من الشرك ، والمعصية ، والتعلّق بما سوى الله تعالى.
والعلوم والمعارف الغير الحقّانية ؛ هي التي ألقاها الشيطان في قلب الشخص المنحرف عن الله ، وسوّلت له نفسه.
فالأولى من باب الكرم ، والثانية من باب المكر الذي هو قلبه وعكسه.
فالعلم الصحيح : هو الذي يلبسك التقوى ؛ وهو زينة الله تعالى لك في الدنيا والآخرة ، فإن العلوم الحقيقية تبقى مع العالم في كل موطن ومقام ؛ فتنتقل معه إلى حيث ينتقل ؛ وهي الزينة المحلّلة.
التي أشار إليها قوله : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف : ٣١].
وأمّا العلوم الغير الحقيقية : فقد وقع الذّم عليها ؛ لكونها من زينة الحياة الدنيا المحرّمة ، وأعني بالعلوم الغير الحقيقية ؛ ما لم يكن من نتائج التقوى ، والعمل الصالح ، والسلوك ، والعلوم مطلقا ، فإن بعض الرسوم فيما يلحق بالحقائق.
ومن هذه الآية يعلم حال من أباح الدخان في هذه الزمان (١) ، وكتب في حقه من المساوئ ما لا يحتاج إلى البيان ؛ وذلك لأن المباح إذا كان فيه موافقة النفس ، والميل إليها ؛ كان ذلك من قبيل المعصية ، وحط النفس.
ولا شك أن الدخان من الأمور الخسيسة الطبيعية التي لا يرتكبها إلا الأخسّاء ، والأسافل من الناس ، وقد صحّ عند الله أن الأمور الخسيسة مما يحتجب به الروح عن العروج إلى المقامات العلوية ، ومثل هذه الوسائل مما لا شك في خباثتها على أن الخبيث عند أهل النفس الطاهرة الطيبة حرام كما دلّ عليه قوله تعالى :
__________________
(١) قلت : في مسألة إباحة الدخان ، وتحريمه وكراهته ، أقوال لأهل العلم ، فممن أباحه : الشيخ الأجهوري ، والشيخ عبد الغني النابلسي ، والشوكاني ، وغيرهم.