وقال شيخي ، وسندي السيد عثمان الفضلي قدسسره في شرح التفسير المذكور : وقد عرفت من جهة الذوق حيث يجنون ثمرة عملهم الخير بإذن الله وفيضه ؛ لكن لم أكشفه ؛ بل أكتمه بتعيّنه لمن كتمه ، ولم يكشفه انتهى.
يقول الفقير : أفاض الله عليه سجال فيضه الكثير : هذا من المسائل التي توقّف فيها أكثر الأئمة والعلماء لما أن ظاهر قوله تعالى : (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ،) يدل على أنهم لا يدخلون الجنة ، وإلا لنصّ الله عليه بعد ذكر الإجارة ؛ كما فعله في حق المؤمنين من البشر في مواضع من القرآن.
والظاهر أن الاقتصار على الإجارة ؛ كالاقتصار على الإنذار في نحو قوله تعالى : (قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر : ٢] : أي قم فأنذر الكفار بعذاب النار ، فإن إجارتهم منه موقوفة على إنذارك ، وانتفاعهم به ؛ وذلك لأن التخلية بالمعجمة قبل التحلية ، وذلك لا يقتضي انحصار حالهم في الإجارة.
فكذا في حق الجن فإنهم إذا كانوا تابعين للبشر في الأحكام ، والتكاليف ؛ كان حكمهم حكم البشر في كل من الإجارة ، والإثابة موطنها المبشر به الجنة ، هذا وكأنهم أخرجوهم عن حكم البشر في ذلك لأمرين : الأول : قصورهم في باب الأعمال ، والمعارف الإلهية بحسب نشأتهم النارية ، والثاني : إنهم داخلون تحت الاسم اللطيف ؛ كالملك ؛ لغلبة الروحانية عليهم ؛ ولذا كان غداؤهم الاسترواح ، والاستشمام ، ونحو ذلك لا على نحو الغداء البشرى.
فلمّا كانوا على جناح واحد من الأمر ؛ فإنهم جلاليون فقط ، كما أن الملائكة جماليون فقط ، وكان الغالب على نشأتهم الروحانية ؛ اقتضى الذوق أن يكون نعيمهم غير النعيم الحسّي ؛ بل الخيال المتصل بعالم المثال المطلق ، وذلك في مقام الأعراف ؛ فإن الأعراف كما أنه سور بين الجنة والنار ؛ باطنه في الرحمة ، وظاهره من قبله العذاب الناري بحسب نشأتهم النارية ؛ فكذا عالم الخيال المقيّد ، والمثال المطلق ؛ برزخ بين العالم الروحاني ، والجسماني ، فنعيمهم روحاني من حيث تجرّدهم ، وخيالي من حيث تلبّسهم بالجسم اللطيف ؛ كالملك.
كما أن نعيم البشر روحاني ، وجسماني حسّي من حيث تعلّقهم بالجسم الكثيف ، وإن كان أجسامهم تتلطّف هنالك بتلطيف العناصر ، والخيالي غير الحسّي ؛