من أهل الأكل الجسماني ، وإن كان مأكولهم عظما ونحوه.
ولا شك أن من يأكل ، ويشرب ، وينكح في الدنيا ؛ فله ذلك في الآخرة على تقدير إيمانه ؛ لأنه لا نعيم للكافر في النار ؛ بل طعامه الزقّوم ، وشرابه الحميم والصديد ، ومن كان له نعيم جسماني في الدنيا ؛ فله نعيم روحاني فيها أيضا ؛ لأن نفخ الروح لا يختصّ بمؤمن ، ولا كافر ؛ ولذا صحّ بعض الأحوال الروحانية للكافر أيضا في الدنيا كما حكي عن بعض الفلاسفة ، وأهل الرياضات ، ومن كان من أهل النعيم مطلقا في الدنيا ، وهو مؤمن ؛ فله ذلك في الآخرة أيضا ، ومن جملة ذلك الرؤية.
نعم فرق بين نعيم المؤمن من الإنس ، وبين نعيم المؤمن من الجن ؛ لأن الإنس أكمل في العلم والعمل من الجن ، فنعيمهم صورة ومعنى بقدر حالاتهم ومراتبهم ؛ كالملائكة ، وأمّا الإنس فلهم النعيم مطلقا ، ونعيمهم أكمل من نعيم الجن ؛ لكمالهم في باب العمل ، وبلوغهم الغاية القصوى في المعرفة الإلهية ، وذلك لجمعية نشأتهم.
وكذا نعيمهم الروحاني أكمل من نعيم الملائكة ؛ لأن الملائكة على جناح واحد إذ ليس لهم ما للإنس من الجمعية ، فأين ذو الجناح الواحد من ذي الجناحين؟ وإذا عرفت هذا ؛ عرفت أن الله بين الملك ، والجن ، والإنس صورة ، ومعنى ، فمن قصد إدخال الجن في جنس الملائكة ، وجعل سعداءهم وأشقياءهم ؛ كسعداء الإنس وأشقيائهم ؛ فهو لم يعرف حقيقة الحال ، وجهل بالمقام ، وإن كان له شأن بالأمر.
وقال المصنف في موضع آخر :
قوله تعالى : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الأحقاف : ٣١].
قال حضرة الشيخ : صدر الدين القونوي قدسسره في تفسير الفاتحة :
وأمّا الجن فنحن لا نشك إنهم يجازون على أفعالهم ؛ لكن لا نتحقق إنهم يدخلون الجنة ، وإن المؤمن يجازى على ما عمل من خير في الآخرة ، فإنه لم يرد في ذلك نص ، ولا نعرف من جهة الذوق في هذه المسألة ما يوجب الجزم ، فقد يجنون ثمرة خيرهم حيث شاء الله تعالى انتهى.