فإن قلت : إذا كان أهل العلم مطلقا ممن يليق أن يؤخذ منه ؛ فلم لا يقتدي إلا بأهل العمل ، ومن يرعى أدب الشريعة ، قلت : عموم التجلّي بالعلم اقتضى الأخذ الكل ؛ لشرفه وفضله ، وهو لا يقتضي الزيغ والانحراف عن الصراط السوي بخلاف العمل ، فإنه حجر عن متابعة من لم يعمل بعلمه رسميا أو حقيقيا حتى أنه المجذوب ، إذا لم يكن له أدب الشريعة لا يقتدى به ، وإن كان من أهل الحال ؛ فإذا حجر عن اتّباع مثل هذا.
فكيف الحال في الذي لا علم له ، ولا أدب له ، ولا حال ، وقد امتلأت الدنيا في عصرنا هذا بأهل الجهل والمكر والاستدراج ؛ فهذا مرض لا يقبل المداواة والعلاج ؛ لأن النهاية عادت إلى البداية ، وكاد يقرب التجلّي أن يردّ إلى أصله.
ومن علاماته ؛ نزول عيسى ؛ فإنه الفجر الأول ليوم القيامة ، وطلوع الشمس من مغربها ؛ فإنه الفجر الثاني له.
أعاذنا الله وإياكم من الشرور ، والفتن ، وخفف عنا أحمال البلايا والمحن.
فإن قلت : ما معنى التكليف؟ قلت : إزالة الإطلاق.
فإن قلت : ما معنى إزالة الإطلاق؟ وقد قال تعالى عن لسان هود عليهالسلام :
(ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) [هود : ٥٦].
قلت : ذلك لسان الإطلاق العام من حيث العلم الشامل ، وذلك لا يوجب العمل.
ألا ترى أن اليد اليمنى أقوى من اليد اليسرى مع اجتماعهما في محلّ واحد ؛ وهو الكتف ، والعنق ، والوجه أفضل منهما مع اتصاله بالعنق ، فهذا التفاوت في الأعضاء الأنفسية يشعر بالتفاوت في القوى الآفاقية ، فإذا حجرك الله عن شيء ؛ فاجتنب عنه ، فإنه وإن كان من قبيل التضييق في الصورة لكنه من قبيل توسعة التجلّي في المعنى ؛ لأن القائم مع أمر الله قائم مع الله ، والقائم مع الله ؛ هو المتجلّي بكل اسم من الأسماء الداخلة تحته بخلاف القائم مع غير الله ، فاعلم ذلك وأيضا.
فاعلم أن العلم المرغب في تحصيله وأخذه ، إنما هو العلم الموافق للحق ، والحق أحق أن يتبع به ، وأمّا غيره فمهجور جدا ، ونحوه من العلوم التي ليست نتيجة التقوى ، والعمل الصالح ، فتنبّه ذلك.