وقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) [لقمان : ١٢].
يشتمل على كل من الحكمة الطيبة ، والحكمة الإلهية الذوقية ، فالإعراض عن ملك سليمان عزوجل كما يفهم من كلمات المشايخ ؛ ليس كالإعراض عن حكمة لقمان عليهالسلام ، فإن الملك من قبيل ما سوى الله ، وكل ما سوى الله ؛ فهو مخلوق ، فلا يصحّ للتعلّق به إلا بتحميل الله تعالى ؛ كالتحبيب في قوله صلىاللهعليهوسلم :
«حبّب إليّ من ديناكم ثلاث ... إلخ» (١).
وأمّا العلم مطلقا ؛ فهو صفة شريفة إلهية ، فلا معنى للإعراض عنه حتى قيل في قولهم : العلم حجاب ، إن معناه إن العلم حجاب عن الجهل ، فليتنافس فيه المتنافسون ، فالقائل بخلافه جاهل عار عن الكلية الإنسانية الكمالية.
ثم إن النبي صلىاللهعليهوسلم إنما حرّض على أخذ العلم من جميع الأينيّات ؛ لأن العلم والتجلّي الأحدي والنفس الرحماني واحد عند علماء الحقيقة ، فالكل من شأنه العلم ؛ كما أنه من شأنه نفخ الروح.
__________________
ـ من ممكن مضاف إلى ممكن أخوالا ويمكن إضافته إلى ممكن آخر لنفسه مع قطع النظر عن أمر آخر ، لكن الحكمة اقتضت هكذا وهو ذاتيّ لها ، والظاهر في العالم الشهادي ظلّ ذلك العالم المعنوي على ترتيبه.
وقال الشيخ رضي الله عنه : هذا هو العلم الذي انفرد به الحق ، وجهل منه فافهم ، فظهرت به الحكم في الوجود بالوجود على ترتيب أعيان الممكنات في حال ثبوتها قبل وجودها روحا وصورة ، فبان لك الفرقان بين العلمين العلم والحكمة.
قال الحكيم العليم : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ)[ق : ٢٩] ؛ لأنه مخالف الحكمة وهي تأبى التبدّل الخارج بخلاف النسخ فإنه من الحكمة البالغة.
قال تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها)[البقرة : ١٠٦] فافهم.
فالعلم بالحكمة المنزلة تخفيفا أو تثقيلا إمّا بكشف سبحات الوجه حتى يرى ما في العين الثابتة ، فإنها حكم مرتبة من حكيم عليم ، هذا الإنسان عين صفاء خلاصة الخاصة ، وامّا ما يكشف الغطاء عن البصر والبصيرة ، أو بتعريف إلهي حتى يرى أو يعلم ما في الوجود من الحكم المرتبة ترتيب عليم حكيم.
(١) تقدم نخريجه.