قولهم : من تعطّل أيام التحصيل ؛ تحصّل أيام التعطيل ، هذا بالنسبة إلى حالة الدنيا ، فإنه ما دام البقاء فيها ؛ فإنه يرجى للطالب تلافي ما فات ، إلا أن يكون بالفاء إلى أرذل العمر ، وزمان العنه والفند ، فإنه إذا لم يساعد الأسباب والآلات ؛ فكيف يتحصّل الملكات.
ألا ترى إلى قولهم : من فقد حسّا ؛ فقد فقد علما فقدان حسّ من الحواس إذا كان سببا لفقدان علم من العلوم ، جميع الحواس يوجب فقدان جميع العلوم ، نعم إن شباب الزمان أعون على تحصيل المرام من زمان الكهولة والشيخوخة.
ومن هنا ورد : «العلم في الصغر ؛ كالنقش في الحجر» (١) ؛ وذلك لاجتماع الحواس والقوى إذ ذاك.
وقد صحّ إن بعضهم تحصّل في أيام الشيخوخة أيضا ؛ لاعتدال مزاجهم ، واجتماع قواهم سواء كان المتحصّل من قبيل الرسوم كما وقع للإمام القدروي ، وأبي بكر الفضل الشاشي ، أو من قبيل الحقائق كما وقع للجارية البصرية وغيرها.
وإمّا بالنظر إلى حال الآخرة ؛ فكل كمال لم يحصل في الدنيا ؛ لم يحصل في الآخرة ؛ لمضي زمان التكليف والكسب ، إلا أن يكون الكمال الغير الحاصل لمن سلك ، ولم يكمل له الأمر بعد ؛ فإنه من أهل الترقّي في جميع المواطن ، فالابتداء إذا كان على السلوك والخروج من بيت الطبيعة ؛ فالانتهاء على الترقّي ، فإن الأجر واقع على الله ، والله لا يضيع أجر المحسنين ، والرحمن ما عنده حرمان ، جعلنا الله وإياكم من الواصلين.
__________________
(١) رواه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (١ / ٣٧٥) ، وذكره العجلوني في الخفا (٢ / ٨٥).