في مقابلة الظلمة ، فنور ليلة القدر ؛ نور ذاتي أصلي حقيقي لا يقاس عليه إلا نور الصفاتية ، ومن نور القمر والكوكب ونحو ذلك ، فإذا عرفت هذا ؛ فاجتهد ألا يكون نورك نورا آفلا حاصلا من بعض التجليّات الصفاتية ؛ بل نورا ثابتا باقيا دائما حاصلا من التجليّات الذاتية ، والله الهادي إلى نوره.
قولهم :
تعلّم يا فتى ، فالجهل عار
صرح بالفتوة ؛ لأن المتعلّم أيّاما كان شابا أو شيخا ، إذا كان من أهل الفتوة ؛ فهو لا يستحيي أن يأخذ العلم ممن هو أعلى منه وأدنى.
دلّ عليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها» (١) ؛ لأنه صلىاللهعليهوسلم لم يشترط أينا واحدا متعيّنا للأخذ إذا كانت مشتملة على الحكمة ؛ وهو العلم ، وأكثر ما يطلق على باطن العلم ؛ وهو الوقوف على حقائق الأشياء كما هي (٢).
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) قال تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] ، وما كثره الله تعالى لا يدخله قلة وامتن على نبيّه وخليفته داود عليهالسلام ، وعلى نبيّنا صلىاللهعليهوسلم بأن أتاه الحكمة وفصل الخطاب ، وهو من ثمرة الحكمة أو الحكمة نفسها ، وهو إيجاز البيان في موطن الإطناب والإسهاب في الآخر على ما يقتضيه المقام والحال ، وأوتي صاحب جمع الجمع صلىاللهعليهوسلم ما لم يؤتوا وهو صدق قوله : «أوتيت جوامع الكلم» وهو من أكبر فصول الخطاب جزء من أجزاء هذا الكتاب.
وعلى لسان رتبته صلىاللهعليهوسلم قال وليّ من أوليائه : «يا معشر الأنبياء أوتيتم اللقب ، وأوتينا ما لم تؤتوا».
ذكره رضي الله عنه في «الفتوحات» عن قطب وقته وفرد عصره عبد القادر الجيلاني قدسسره.
والحكمة علم خاص والفرق بين الحكمة والعلم المطلق أن لها الجعل والتحكم بخلاف العلم فإنه تابع المعلوم ، فالحكيم من قامت به الحكمة فكان الحكم لها.
قال تعالى إشارة إلى هذا المقام : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)[الأنعام : ١٢] ؛ لأنها مقتضى الحكمة.
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الاسم الحكيم : إنّ العارف يقدم الحكيم على العليم ، فالحكيم خصوص والعليم عموم ، ولذلك ما كل عليم انتهى كلامه رضي الله عنه.
وذلك لأنه ثبت عند أهل الكشف الأتم والتحقيق الأوسع الأعم أن الترتيب ثابت في الأعيان الثابتة في الحال بثبوتها في معدتها ، وتعلق العلم الإلهي بحسب ما هي مرتبته ، وما ترتبت إلا بالحكمة ؛ لأنه ما