وفي سورة فصلت
ورد صباح الثلاثاء الرابع عشر من شهر المولد النبوي سنة ثلاثين ومائة وألف قوله تعالى : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) [فصلت : ٤٤].
الضمير للقرآن ؛ يعنى أن الله تعالى هدى من استعد للإيمان إلى الإيمان بسبب القران ، كما دلّ عليه قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩] ؛ والمقصد هداية الله تعالى بسببه ، فوصفه بصفته ؛ لقوته في السببية.
وكذا قوله سبحانه : (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) [يس : ٢] ، و (الذِّكْرِ الْحَكِيمِ) [آل عمران : ٥٨] ؛ فإن الحكيم في الحقيقة ؛ هو الله تعالى لكن لمّا اشتمل القرآن والذكر على حكم الله وحكمه ، وحقائق ذاته وصفاته ؛ وصف به.
ثم إن كون القرآن هداية إنما هو في مقابلة الضلالة ؛ وهو الخروج عن الطريق المستقيم.
كما أن الهداية هو الدخول فيه ، وكونه شفاء ؛ إنما هو بالنسبة إلى الأمراض الباطنة ؛ كالكفر ، والنفاق ، والجهل ، ونحو ذلك.
فإن المؤمن في أول دخوله في دائرة الإيمان يهتدي إلى الحق ، ويتخلّص عن الأمراض المذكورة العائقة له عن الحق ، ثم إنه يزداد هداية وشفاء بأن يترقّى إلى مرتبة الإيقان والإحسان والولاية الخاصة الأكملية ، ويتخلّص عن التلوينات والحجب الحاصلة في مرتبة الروحانية ؛ وهي الحجب الكونية اللطيفة الرقيقة النورانية (١).
__________________
(١) قال سيدي محمد وفا في المعاريج : واعلم أن الحجب النفسانية والروحانية النورانية والظلمانية ما كثف منها وما لطف راجع إلى أوصاف تلبسها النفوس والأرواح من الأقوال والأعمال ، والأحوال ، والأفعال ، والنيات ، والضمائر ، والاعتقادات ، وهواجس النفوس ، وخطرات الأرواح والضمائر ، والفكر ، والتعقّل ، والتصوّر ، والتذكّر ، والتدبّر ، والعقد ، والإصرار ، والندم ، والأسف ، والإنابة ، والزّهد ، والصبر ، والرّضا ، والحمد ، والنظر ، والاعتبار ، والخشوع ، والخضوع ، والإسلام ، والاستسلام ، وحقيقة الإيمان ، والإحسان ، وتحقيق العرفان ، وما يجري مجرى هذه الأوصاف المعنوية ، وأن جميع ذلك وصف من اللبس والتجلّي والمساكن والمطالب والمراغب والقصور والحور والولدان ، والمقامات الحسان ، وعجائب غرائب العطايا الحسان من أنواع النعيم ، وأفضال الكريم ،