في سورة غافر
حم المؤمن
قال الله سبحانه : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [غافر : ١٥](١).
اعلم أن الفيض الإلهي للقلب ؛ كالروح للبدن ، فكما أن البدن لا يتحرك إلى جانب الخلق إلا بالروح ، وبه حياته ؛ فكذا القلب لا يتحرك إلى جانب الخلق إلا بالفيض والجذب ، وبه قوامه.
فالقلب بلا فيض ميت ؛ كالبدن بلا روح ، وبه يعرف أن إيمان المقلّد وإن كان صحيحا في الظاهر ؛ لكن لا يرتسخ ذلك فيه إلا بالاستدلال ، فأدنى الفيض هو الاستدلال ، فإن الإيمان إنما يتقوّى به ، والاعتقاد لا يتمكن في القلب إلا به ، وفوقه الكشف ، فإذا نزل المؤمن عن هذين الوصفين ، وكان إيمانه بمجرّد التقليد لأبويه أو لأهل بلده ؛ فهو كالميت ، ويوشك أن لا يفتح باب السماء لروحه بعد موته ؛ لعدم انفتاح قلبه ، وعدم تنوّره بالنور الحقيقي ، ولو بمقدار السهم.
ثم إن الفيض الذي يحيى به القلب ، ويقال له : الروح أيضا ، إمّا أن يلقيه الله تعالى بلا واسطة ؛ وهو أعزّ وأندر ، وإمّا أن يلقيه بواسطة ملك من الملائكة كجبريل ، فإنه ملك ملوك الأرواح ، وروح القدس ؛ وهو عزيز ونادر ، وإمّا أن يلقيه بوساطة شيخ من المشايخ الكاملين ، ورئيسهم الخضر عليهالسلام في الإفاضة والإلقاء ؛ وهو كثير شائع ، وذلك لأن الصحبة الجسمانية مؤثّرة ، والأخذ من المجانس المصاحب أغلب.
وأمّا الأخذ من الملك : فيحتاج إلى تنوير المحل ؛ لأن الملائكة خلقوا من نور ، فلا بد في الأخذ من المجانسة النورانية.
__________________
(١) فأول ما ألقاه : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ، فكأن الروح هو الملقي إلى قلوب العباد من أمره ، ويكون ذلك الروح عين الرسالة ، وعين الرسول ، وعين المرسل ، فارتفعت الوسائط إن كان عين الوحي هو عين الروح ، وكان الملقي هو الله لا غيره ، فهذا الروح ليس الملك ، بل عين المالكة هي الرسالة فافهم.