والمشركون جعلوا الأصنام معبودات كما دلّ عليه قولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ) [الآية : ٣] ؛ وذلك باطل جدا ، وإن كان مرادهم من ذلك ؛ هو التقرّب إلى الله تعالى كما دلّ عليه قولهم : (إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الآية : ٣].
وذلك أن التجلّي الأحدي سار في جميع الموجودات ، فإذا كل الأشياء دليل عليه لا شريك إذ لا شريك أصلا ؛ لأن الوجود واحد ، والشيء لا يقرّب نفسه إلى نفسه ؛ وإنما يقرّب غيره ، والغير هنا هو العبد العابد ، ومنه قرب النوافل ، وقرب الفرائض.
ولذا قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ*) [النساء : ٤٨ ، ١١٦] ؛ لأن المعدوم لا يكون مغفورا مستورا ، وشريك الله تعالى ممتنع فلا وجود له أصلا.
وكون الأصنام شركاء له ؛ إنما هو باعتبار الوهم ، والتصوّر الباطل ، فبطل التقييد ، وظهر سرّ الإطلاق.
ألا ترى أن الشمس إذا طلعت ؛ فنورها يعمّ الدنيا ، ويدخل في الكوّات جميعا ، فكل شعاع منعكس من أشعتها ؛ فهو دليل عليها ، إلا أن شمس مثلها ، فالشمس واحدة ، والأشعة مختلفة متعددة بحسب اختلاف الكوّات وتعددها ، وكل الأشعة إذا اجتمعت ؛ فهي الشمس ، فمن حصرها في شعاع من الأشعة ؛ فقد جهل الأمر في الخارج ، ونفس الأمر ، فكما أن هذا التقييد من الجهالة ؛ فكذا تقييد نور الإلهية بواحد من المألوهات ، أو أكثر جهل وشرك عظيم ، فتنبّه لهذا الأمر العظيم ، واجتنب من الإلحاد والشرك والكفر ، فلا تعبد إلا الله.
__________________
ـ المذكور مندرج تحت المرتبة الإمكانية ، فما من ممكن إلا وهو مندرج فيه : أي في نشأة البشرية ، وكذلك اندرج في باطن نشأته كل اسم له تعالى ، حيث أن الظاهر في نشأته الاسم (الله) وهو رب الأرباب ، فبجمعه الأسماء كلها شمل المرتبة الوجوبية مرتبة الأسماء والصفات ، وبجمعه آثارها شمل المرتبة الإمكانية مرتبة الحوادث المقابلة للأولى صورته العلمية.
والحاصل : إذا تأمّلت ما تقدّم تجده راجعا إلى قصد أنه هو الكل ، وأن كل مخلوق إنما خلق لأجله صلىاللهعليهوسلم ؛ لكمال العبودية فيه والله الهادي ، وفي هذه الجملة من الاصطلاحات النشاء الشامل لمرتبة ، وقوس الأسماء ومرتبة ، وقوس الأعيان الثابتة وما نزل عنها ، المعبر عنهما بالوجوبية والإمكانية.