وفي سورة الزمر
قال سبحانه حكاية : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣].
اعلم التوحيد واقع في العام ، ومتحقق في نفس الأمر سواء عرفه الإنسان ، أو لم يعرفه ، وتكلّم بكلمته ، أو لم يتكلّم.
فإن الله تعالى لمّا خلق العقل الأول ؛ كان أول ما تكلّم به : لا إله إلا الله ، فشرّفه الله تعالى بأن يقول : محمد رسول الله ، وبقى أمر الوجود على هذا التوحيد إلى قيام الساعة ، وإلى الأبد ، ولمّا أخذ الله الميثاق ؛ كان أول من تكلّم بقوله بلى هو العقل الأول (١) لأنه رئيس أهل التوحيد لا قبل البعثة ، ولا بعدها ؛ لأن اللاحقة عين السابقة ، والأبد مرآة الأزل ، والنهاية صورة البداية ، والآخر سرّ الأول ، وكل من وقعت له المناسبة الذاتية بذلك العقل الأول ؛ كان حاله في التوحيد حاله ؛ لأنه تعيّنه هو عين تعيّنه ، والكل في الصف الأول بهداية الله تعالى وعنايته.
فقولنا : لا إله إلا الله ؛ صورة التوحيد لآدم وذريته في سبعة آلاف سنة.
وقولنا : محمد رسول الله ؛ صورة التصديق لهذه الأمة المرحومة في ألف سنة ؛ بل وقد يكون من هذه الأمة من له الجمعية الإحاطية ؛ فيحصل له من التوحيد والتصديق في العمر القليل حكمهما في تمام دور السنبلة ، فإن الله تعالى إنما جعل هذا الدور سنبليا ؛ لأجل المضاعفة المقصودة لهذه الأمة لا لغيرها من الأمم السالفة ، فظهر أن المعبود بالحق من الأزل إلى الأبد ؛ هو الله تعالى وأن الرسول هو محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن من عداه من الرسل المتقدمين ؛ إنما هم من شعبه وصوره (٢).
__________________
(١) العقل الأول من الحقيقة الحقيّة التي هي الوجه الخاص له من جانب الحق ، وبها زاد على جميع المخلوقات ، فلم تظهر الصور الحقيّة إلا به ، فالعقل مع عظمته جزء من الصورة وهكذا كل موجود إنما هو في البعضيّة فافهم.
(٢) فائدة : فإن العقل الأول روحه الأعظم ، والنفس الكلية نفسه الشريفة ، وكل الأرواح والنفوس والعقول الغير المنطبعة اندرج في ذلك ، وكذلك النفس المنطبعة في الجسم الكل هي خياله صلىاللهعليهوسلم ، وجميع النفوس المنطبعة مع ما فيها من عالم المثال مندرجة في تلك النفس ، بل ما من شيء في العالم إلا وله في جميع ما ذكر صورة على حسب عالمها سواء كان روحا أو نفسا أو مثالا ، وذلك