قولنا : واحد ، ووحدة ؛ للتنزيه عن أن يكون معه غيره ، وللتفخيم أيضا حيث يشعر بالاستغناء ، وعدم العجز لا للدلالة على مفهوم الوحدة المقيس بالكثرة.
وقولنا : نفى الكثرة ؛ لدفع التوهّم وللتفهيم ، وإلا فبعد إثبات أنه الحق هو الوجود الفائض على الموجودات لا حاجة إليه.
فإن قلت ؛ فعلى هذا يلزم أن يصحّ للكل أن يقول : لا إله إلا أنا ، وأنا الحق ؛ كما فعله الحلّاج ونحوه.
قلت : لا شك أن للإنسان وجهين : وجه الإطلاق ، ووجه التقييد.
فالوجه الأول : يلي جانب الحق ، وبه يدركه ، ومن يدركه.
والثاني : يلي الخلق ، وبه يتقيّد بالأحكام من يتقيّد.
وذلك أن الأول : ظهور التجلّي في المظهر بحسبه ، وبحسب المظهر المتجلّى له ، لا بحسب المتجلّي ، فإنه غير محصور في محلّ واحد ؛ لعمومه واتساعه ، فهذا الوجه يقتضي أن يكون الساجد والمسجود ، والعابد والمعبود واحدا ، وذلك لا يصحّ من طريق الحقيقة.
وأما الثاني : هو المحلّ ، والتعيّن الخاص ، وهذا الوجه يقتضي التغاير بين المتجلّي والمتجلّى له في الجملة ، وبه يصحّ الأمر والنهي ، وكون الحق آمرا معبودا ، وكون الخلق مأمورا عابدا ، فمن خلط بين المرتبتين ؛ فقد زلّ ، وخرج عن الحكمة.
ولذا كان الأكمل من الناس من غلب على حاله لا من غلبه الحال.
فإن الأول : لا يجري عليه لسان ذنب بخلاف الثاني ؛ فوجب أن يكون الوجه التقييدي جنة على الوجه الإطلاقي ؛ حتى إذا غلب عليه المناسبة الذاتية ؛ أمسك العنان ، وجرى على ما جرى عليه الكمّل من العمل بالوجه التقييدي ؛ صيانة لظاهر الشرع ، وحفظا للحدود ؛ حذرا عن الاختلال ، وضبطا للاعتدال.
ولهذا قال تعالى في مرتبة الجمع الإحاطي : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧].
فجمع بين رميه صلىاللهعليهوسلم الذي يلي جانب الوجه التقييدي ، وبين رميه تعالى الذي جانب الوجه الإطلاقي ، فهذه هي مرتبة الجمع بين التخصيص والتشكيك ، فغير