العارف إذا شاهد هذا الرمي عن يد النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ أسنده إليه ، وذلك شرك جدا (١).
وأمّا العارف الغير الكامل فيسنده إلى الله تعالى ، وذلك إلحاد قطعا.
وأمّا الكامل فيسنده الظاهر إلى الظاهر ، والباطن إلى الباطن.
فإن تأثير الرمي في الخارج لم يكن من الحقيقة الكونية التي تلي جانب الخلق ؛ بل من الحقيقة الوجوبية التي تلي جانب الحق ، فإذا كان النبي صلىاللهعليهوسلم جامعا بين مرتبة الخلقية الكونية التقييدية ، وبين المرتبة الحقية الوجوبية الإطلاقية ؛ فصحّ إنه هو الرامي من وجه ، وإنه غير الرامي من وجه.
فهذا الأدب الإلهي نظر إليه الكمّل فحافظوا على المراتب ، ولم يقولوا : أنا الرامي ، أو أنا الحق مثلا ؛ بل جعلوا المرتبة الواحدية جنة على المرتبة الأحدية ، فستروا المناسبة الذاتية الأحدية في المغايرة الصفاتية الواحدية ؛ فسلّموا الأمر إلى الله تعالى ، وسلموا عن الغوائل ، رزقنا الله تعالى وإياكم حلاوة هذا المقام من طريق الذوق والشهود ، لا من طريق العلم والشعور فقط.
والحاصل أن مرتبة : لا إله إلا أنا مرتبة موسى عليهالسلام ؛ لأنه هو المنادى به من صورة الشجرة.
ومرتبة : لا إله إلا أنت مرتبة يونس عليهالسلام كما قال في بطن الحوت :
(لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٨٧].
__________________
(١) قال الشيخ الأكبر في كتاب «الجلالة» ومن هذا الباب باب الحيرة الإلهية.
قال تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)[الأنفال : ١٧] ، وافعل يا عبدي ما لست بفاعل ، بل أنا فاعله ولا أفعله إلا بك ؛ لأنه لا يمكن أن أفعله بي ، فأنت لا بد منك ، وأنا بدّك اللازم ، فالزم بدّك ، ولا بد مني ، فصارت الأمور موقوفة عليّ وعليه فحرت وحارت الحيرة وحار كل شيء ، وما ثمّ إلا حيرة في حيرة ، وأنشدهما وغيرهما وقال ، ومع قولي هذا كله قيل لي : افعل من باب الحيرة الجامعة لجميع النسخ. ثم قال في آخره : فاعلم سرّ قوله : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ)[ق : ٢٩] ، فالعاقل يعمل على إمضاء الحكم وإنفاذه ، ولا مردّ له ؛ لقوته والمحقق يأخذه من باب الحيرة ، وأنه لا يمكن إلا هذا ، وإلا فكما وصلت الخمسون إلى خمسة لم يمكن أن ينقص منها ، كذلك لم يمكن أن تبقى الخسمون أصلا لما سبق به القول.