(وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٢٣].
وقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) [فاطر : ١٥].
وقال من قال من الكمّل : عقد الخلائق في الإله عقائد ، وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوا.
فالمشرك يقيّد الحق في مرتبة واحدة ، والتجلّي الجمعي الساري في جميع الكائنات يأبى ذلك.
فإن قلت قوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) [البقرة : ٢٥٦] ؛ ينافي ما ذكرت ، وأيضا الاعتقاد العام المذكور يقتضي تداخل الكفر ، والإيمان ، وذلك لا يصحّ أبدا.
قلت : المراد معرفة الحق تعالى من حيث تجليه العام ، وذلك لا يقتضي العمل بضدّين ؛ لأنه محجور من قبل الله تعالى ، فالإيمان الكامل ؛ هو الكفر بالطاغوت ، وما سوى الله تعالى جميعا ، والاعتقاد الأحدى في كل شيء ، والعمل بما حدّ الله تعالى في الشرع من الأمر والنهي.
ومن هنا يظهر الفرق بين أهل الإلحاد ، وأرباب الحقائق ؛ فإن الأولين يعملون بما يعلمون من كل ضدّ ، وذلك كفر صريح ، فحكم المساجد في باب العمل غير حكم الكنائس فيه ، وأمّا الآخرون فيعملون بما أمر الله به أن يعمل لا بغيره ، فيقفون عند حدّ الشرع لما أنهم يعلمون أن الله تعالى حكيم ، وله حكم ومصالح فيما أطلق وفيما حجر حتى لو قيل لهم من قبل الله : اشربوا الخمر لا يشربون ؛ مراعاة للعهد الأول ، وعملا لذلك القول على الامتحان ، فإن كل أمر وارد ليس بإرادي ؛ بل قد يكون التكليف للاختيار ، كما أنه تعالى أمر أبا جهل ونحوه بالإيمان ، وإن كان قد علم منهم خلافه ، فالمأمور يتخلّف عن الأمر دون المراد عن الإرادة ، وإلا يلزم العجز تعالى الله عن ذلك.
ثم إن المراتب : من أنا ، وهو ، وأنت ؛ مراتب التوحيد مطلقا.
ومعنى التوحيد : مطالعة نور الوحدة في الآثار ، والشواهد ، ونفي الكثرة عن ذات الله تعالى ؛ فإن الله تعالى ليس له شريك ، وإن وحدته ليست عن عدد ؛ وإنما