في تفسير الصافات
قوله عزوجل : (فَحَقَّ عَلَيْنا) [الصافات : ٣١] : أي على إهلاك تلك القرية.
وقوله : (قَوْلُ) [الصافات : ٣١] الأزلي ، والحكم الأولى الذي أوجبه الله على نفسه قبل أن يخلق الخلق ، وهذا ينادى على ما ذكرنا من الحق الصريح ، فإن الله لا يتغيّر ، وحكم الله لا يتبدّل كما لا يتبدّل ولا يتغيّر الاستعداد الأزلي.
فالإرادة قديمة ؛ كاستعداد الفسق لكن على ما قالوا : تعلّقها بالفسق حادث كحدوثه.
قال الله سبحانه وتعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) [الصافات : ٣٥].
اعلم أن هذه الكلمة جامعة لمراتب التوحيد ؛ وهي قوله : لا إله إلا هو ، ولا إله إلا أنا ، ولا إله إلا أنت ؛ ولذا لم يقل : إذا قيل لهم : لا إله إلا هو يستكبرون ، فإن ضميرهم كان منحصرا في شيء واحد ؛ هو معبودهم الذي تقيّدوا به ، فشركهم يقتضي التقييد لا الإطلاق (١).
والله تعالى منزّه أن يتقيّد بشيء دون شيء ؛ ولذا قال سبحانه وتعالى :
__________________
(١) قال الشيخ ابن سبعين : أول وظيفة من وظائف الشريعة : هي كلمة لا اله إلا الله ، وتتضمن ألا فاعل إلا الله ، فكل موجود في الكون الله أوجده من حيث هو فاعله ، والفاعل لا يفارق مفعوله ، وهو معه بالإيجاد والإبقاء ، ولا وجود للشيء إلا به ، فهو الأصل الضروري في وجود كل شيء ، ولكل شيء حقيقة ، وهو وجوده الذي هو به ما هو ووجود كل شيء ، الذي هو به ما هو هو به ، ومنه وعنه وإليه ، هو حقيقة كل شيء وماهيته ووجوده ؛ فالله : هو الحقيقة الجامعة ، فإذا كان هو حقيقة كل شيء ، فالأشياء كلها هي به على ما هي عليه ، فهو الحقيقة الموجودة في كل حقيقة ، وهو الذات المستحقة بذاتها لكل ذات ، فهو مع كل شيء بوجوده ؛ فلا غيبة ولا حجاب ، والغيبة والحجاب : هو الجهل بهذا الاتصال والاستحقاق الذي ذكرناه ، والغفلة عن ملاحظته وشهوده في كل شيء ؛ بل شهوده ولا شيء معه.
وعلم الشريعة ؛ يزيل الجهل المذكور ، ووظائفها ؛ ترفع الغفلة ، وتنبه على الحضور مع الحاضر في كل حضور ، فالحق هو نتيجة الشرائع ، وعلوم الشريعة بهذا الوجه : هي علوم التحقيق ، فاعلم ذلك.
فإذا حقيقة لا اله إلا الله : أن لا موجود إلا هو ، وما خلا الله باطل ، والوهم يشعر بغيره ، والوظائف الشرعية تذكر بالله ، وذكره يزيل الوهم ، ويمحو خبر الغيرية ، ويقيم العبد في الحضرة الحاضرة في حضوره ، فالحق نتيجة الشرائع كما قال ، وهذا الكلام في نتيجة الشرائع ، والحقيقة الجامعة ، وعلوم التحقيق فافهمه.