الناس ، واليد اليسرى بيد ملك الناس ، كما أن اليدين جميعا بيد إله الناس ، فاعرف جدا.
وأشار العموم في كل شيء إلى أن الحياة سارية في كل شيء ، فما من شيء إلا وهو حي عالم متكلّم مسبّح على ما دلّ عليه قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٤] ، وإن كان ذلك خفيّا عن إدراك العوام ؛ لأن نظرهم مقصور على الظواهر ، وأكثر الأشياء في الظاهر جوامد ؛ لكن أين الجمود في جنب تجلّى الرب المحمود؟
وقوله تعالى : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس : ٨٣] ؛ إشارة إلى ردّ الفرع ؛ وهو الروح إلى الأصل ؛ وهو الله تعالى ، وإن كان الجسد أيضا مردودا ؛ لكن ردّه إنما كان إلى المحشر للمحاسبة ليس إلى الله من حيث ذاته ، دلّ عليه : إنه صلىاللهعليهوسلم ترك تركيبه ليلة المعراج في المستوى ، وسار بالروح إلى حيث لا أين ، ولا حيث؟
فلكل من الروح والجسد مرجع يرجع إليه بحسب حاله ومقامه ، فمن ردّ الحشر النفساني الجسماني ؛ فقد غفل عن حكم الجسد.
ألا ترى أن الله تعالى حين أحيا عزيرا عليهالسلام أحيا حماره أيضا ؛ لأنه مركبه ، ولا شك أن الجسد مطيّة الروح ، وإن كان الروح الإنساني ليس بداخل ولا خارج بالنسبة إلى الجسد ؛ وإنما له تعلّق من حيث التدبير والتصرّف ، وبدأ الآية بالتسبيح ، وللتنزيه إشارة إلى أن الله تعالى ، وإن كان بيديه ملكوت السماوات وملك الأرض لكنه في الحقيقة غنيّ عن العالمين ، وإنما له تعلّق بالعوالم من حيث إلوهيته وربوبيته ، فكل شيء مألوه له ، ومربوب.
دلّ عليه قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) [مريم : ٩٣] ، فالله تعالى أظهر كل شيء من حيث تجليّاته ، وأخفى كل شيء من حيث غيب هويته ، وقراءة يس عن المحتضر ؛ إنما هي للملكوت الناظرة إلى الغيب.
* * *