وهو يدلّ على أن الإنسان يجد بعض ثواب علمه يوم القيامة ؛ لأنه الله تعالى أخّر المثوبات إلى الآخرة ؛ لأن الدنيا مع سعتها لا تسعها ، والله تعالى يرحمنا وإياكم أجمعين بفضله وكرمه.
__________________
ـ قال العلّامة القرطبي : وهل العرض لكل مؤمن؟ فقيل : مخصوص بالمؤمن الكامل ، ومن أراد الله نجاته من النار ، وأما من أنفذ الله عليه وعيده من المخلصين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، فله مقعدان يراهما جميعا ، كما أنه يرى عمله شخصين في وقتين ، يعني أحدهما قبيحا والآخر حسنا ، ويحتمل أن يراد بأهل الجنة كيفما كان ، ثم قال : فإن قلت : هل ذلك العرض على الروح وحدها أو مع جزء من البدن؟ ثم قال : قال بعض المحققين : يحتمل أن يكون ذلك للروح مع جزء من البدن ، ويحتمل أن يكون لها مع جميع البدن ، فترد إليه الروح كما ترد عند المسألة حين يقعده الملكان ، ويقال له : انظر إلى مقعدك من النار ، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة اه.
قلت : هذا الجواب لا يلاقي المستفهم عنه كل الملاقاة ، وذلك لأن المستفهم عنه العرض على الروح وحدها ، أو مع جزء من البدن ، ولكن ربما يقال : لما كان العرض على التحقيق نوع من التعذيب ، وكان القياس أن ذلك للروح مع الجسد كله على الصحيح ، لم يعبأ بالقول بأن العرض للروح فقط ، قياسا على القول الضعيف في كون التعذيب للروح فقط ، غير أن قياس المحقق العرض فترد الروح لجميع البدن ، كما ترد عند المسألة خلاف ما اعتمدوه من أنها ترد عند المسألة للنصف الأعلى فقط ، وأما التعذيب فيكون للبدن كله على التحقيق مع الروح ، ويدل له ما ذكره المحقق السبكي ، وكذا الحافظ السيوطي ، وكذا المحقق القرطبي نفسه في محلّ آخر.
قال : أخرج ابن منده عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لا تزال الخصومة بين الناس فتقول الروح للجسد : أنت فعلت ، فيقول الجسد للروح : أنت أمرت ، أنت سولت. فيبعث الله لهما ملكا يقضي بينهما فيقول لهما : إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير وآخر ضرير ، دخلا بستانا ، فقال المقعد للضرير : إني أرى ها هنا ثمرة ، ولكن لا أصل إليها ، فقال الضرير : اركبني ، فركبه فتناولها ، فأيهما المتعدي ، فيقولان : كلاهما ، فيقول لهما الملك : إنكما قد حكمتما على أنفسكما اه.
ومعنى الحديث أن الجسد للروح كالمطية وهي راكبة ، فهي تدل وتسول لكن لا تصل إلى ما تريد إلا بالجسد ، نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة ، وصلّى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم ، كلما ذكره الذاكرون ، وغفل عن ذكره الغافلون.
وانظر : مشارق الأنوار (ص ٨٣) بتحقيقنا.