ولذا قال تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢].
وهو ما تقدّم على فتح كعبة القلب من الهيئات التلوينية الظلمانية ، وما تأخّر عنه من الهيئات التلوينية النورانية ، فإن نور التمكين يسترهما جميعا.
ولذا كان لا ينتقض وضوؤه بالمنام ؛ لصفوة مرآته ، وقوة حضوره مع نور الأنوار الذي لا ظلمة معه أبدا ، ولا تلوين اللهم إلا أن يكون التلوين الممدوح الذي هو الحيرة الحاصلة من أنواع التجليّات.
وفي هذا المقام سرّ قوله : ما بينكما ما بين كلاميكما ؛ فإن موسى قدّم نفسه حيث قال : (إن معي).
ومحمد صلىاللهعليهوسلم قال : (اللهَ مَعَنا) [التوبة : ٤٠] فكما قدّم الجلالة ؛ عمّم المعية ، وذلك لخروجه عن نفسه بالكلية ، كما دلّ عليه قوله يوم القيامة : «أمتي أمتي» (١) ، حين يقول الأنبياء عن آخرهم : نفسي نفسي ، وقال موسى : (سيهدين) فخص الهداية بنفسه.
وقال نبينا صلىاللهعليهوسلم : «اللهم اهد قومي» (٢) ؛ لأن الله تعالى أرسله رحمة للعالمين ، فنجّى أمته من المهالك ، وقد أخذت قوم موسى الصاعقة ونحوها ، فأين هم من هذه الأمة المرحومة؟ وقال موسى : (ربي).
والاسم الرب قد يستدعي القهر والجلال بخلاف الجلالة في المقالة النبوية ؛ لأن الله تعالى خصّصها في البسملة ، فقال عقبها : الرحمن الرحيم تصريحا للرحمة التي تضمنها الجلالة (٣) فكأنه قال : إنك إذا ذكرت الله تعالى ؛ فقد ذكرت الرحمن العام
__________________
(١) رواه البخاري (٦ / ٢٧٢٧) ، ومسلم (١ / ١٨٥).
(٢) رواه الديلمي في الفردوس (٣ / ٤٣٢) ، والطبري في تفسيره (٢٢ / ١٦١).
(٣) فنقول في (الجلالة) أي : لفظ الله ؛ لأنه مسمّى بها عند الطائفة ، يراد بها عندهم إمّا الذات المطلقة المجردة عن جميع النّسب والاعتبارات حتى عن قيد الإطلاق والتجريد ، أو المرتبة الإلهية أي : أحدية جمع الأسماء الفعليّة الوجوبيّة ، أو أحدية جمع جميع الأسماء الفعليّة والانفعاليّة والوجودية والإمكانية ، كذا قاله الجامي في : «شرح الفصوص» رحمهالله.
وهو على ما قاله الشيخ محيي الدين ابن العربي قدسسره : «بمنزلة الذات للأسماء ، ففيه يندرج كلّ