في سورة الشعراء
قال الله سبحانه : (قالَ أَصْحابُ مُوسى) [الشعراء : ٦١].
أي : بنو إسرائيل ذلك حين وصلوا إلى بحر القلزم (١) وهو الصحيح.
وقوله تعالى : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء : ٦١] بفتح الراء على المفعول ، يعني : أدركنا فرعون وقومه ، وذلك من ضعف اليقين.
ولو قال : إنّا لمدركون بكسرها على الفاعل ، يعني : واصلون إلى المراد يومئذ ، وهو النجاة لأصابوا ، وجعل ذلك من كمال رشدهم ، وتمام معرفتهم ، وذلك لأن البحر نار كما قال تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) [التكوير : ٦].
والنار لا تحرق الأحباب ؛ بل الأعداء ؛ ولذا قال تعالى : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) [نوح : ٢٥] ، وقال : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر : ٤٦].
ومن ثّم كانوا يعيشون على هياكل طير سود داخل البحر ، وتخرج بالغدو والعشي ، وهذا بخلاف أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم كما حكى الله عنهم بقوله : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) [الأحزاب : ٢٢].
فانظر كم من فرّق بين القومين ، وقد أشار موسى أيضا إلى ضعف قومه في اليقين حيث قال : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء : ٦٢] ، فإنه لم يقل : إن معنا ربنا سيهدينا ، فقطعهم عن الشركة ، وأفرد نفسه بالذكر ؛ لأن مكاشفة سرّ المعية ؛ إنما كانت له لا لقومه ، فلم يستحقوا النصرة والهداية إلا بمتابعة موسى ، فإنه منصور البتّة بالوعد الإلهي ، كما قال تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) [غافر : ٥١].
وموسى رسول صاحب كتاب ؛ بل من أولي العزم ، ولكون قومه نازلين في الاعتقاد واليقين ؛ زجرهم بقوله : (كلا) يعني : إنكم من أهل البداية ؛ لأن ذلك كان أول ما صحبوا موسى ، ولا شك أن أهل البداية أهل التلوين ، ولن يخلص كمال اليقين إلا لمن زال عن وجه قلبه الهيئات الظلمانية ؛ بل النورانية أيضا.
__________________
(١) انظر : لسان العرب (١٢ / ٤٩٢).