(وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحجر : ٢٩](١) ، فصورة النفخ أقوى من سائر الصور ، وقد يكون بحيث يمصّ السالك فم الشيخ ، أو الخضر ، أو النبي ، أو يأكل السكر من يده ، فذلك إشارة إلى كثرة الفيض ، ولذّة المعرفة ، وقوة الحقيقة ، وهنا كلام آخر لا نذكره.
وقال الله سبحانه : (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) [المؤمنون : ٩١].
: أي كما يعلو الذكر على الأنثى ؛ فيظهر بينهما التأثير ؛ فيكون أحدهما فاعلا ، والآخر قابلا ؛ والقابل لا يكون إلها ؛ لذلك قال تعالى : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) [الإخلاص : ٣] ؛ فإن الأحدية ينافيها الازدواج ؛ لتأدّيته إلى التكثّر ، والصمدية ينافيها الاحتياج ؛ لتأدّيته إلى الذلّة المنافية للإلوهية (٢).
وقوله عزوجل : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤].
في ذاته وصفاته وأفعاله نحو قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١].
فالإله ذات واحدة لا تكثّر أصلا ، وصفته الخاصة به هو : وجوب الوجود إذ ما عداه إنما نشأ منه ، فليس له إلا الإمكان ، وأمّا الوجوب للغير ؛ كوجوب الوجود للأرواح المهيمة فلا ينافي وجوب وجوده تعالى ؛ لأن وجوداتها قائمة به تعالى ؛ فهي
__________________
(١) قال سيدي علي وفا : اسمع : الروح الحكيم العليم هو وجه الملك المعبود ، فله لا لغيره يجب السجود على جميع الجنود ، قال هو سيدي ومولاي :
لساقه القيوم من غيب |
|
تهجّد الرّاكع والسّاجد |
أحاط الكلّ به وهو في |
|
جد وإليه مقصد القاصد |
(فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) [الحجر : ٢٩].
(٢) قال سيدي محمد وفا في النفائس : الأحدية نعت الذات المطلقة ، وهي التي لا تقبل الثنوية مطلقا بوجه من الوجوه ، «كان الله ولا شيء معه ، وهو الآن على ما عليه كان».
والوحدانية أصل الكثرة بالتجلّي ، ومنشأ العدد بالفعل ، والفرادنية هو تمييز الواحد الأول ، بالمرتبة الخاصة المخصوصة بالنعوت الإلهيّة الربّانية والصمدانية ، هو الذي لا منه شيء ، ولا هو من شيء ، ولا في شيء. قال تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)[الإخلاص : ١ : ٤]. فالأحدية نعت لله ، والوحدانية نعت للرحمن.