التمكين اختاروا الثاني والثالث ؛ لما ليس فيهما من الإيهام ؛ إذ الناس يظنون بالله ظنّ السوء ، ويجمع الكل قوله : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [الصافات : ٣٥] ؛ فإن الله ؛ هو الحق ، وأنت الحق ، وأنا الحق ، فافهم كلام هذا الفقير حقا.
__________________
ـ وفي شرح الجوهرة للقاني : فمن تكلم في أئمة الدين ، وهداة المسلمين من الرؤساء المجتهدين ، لا يلتفت إليه ولا يعول في شيء عليه ، ومقت الله والسقوط من عينيه منجذب إليه ، كما أنه لا التفات لمن رمي الجنيد وأصحابه من جملة الصوفية بالزندقة عند الخليفة جعفر المقتدر ، حتى أمر بضرب أعناقهم ، فأمسكوا إلا الجنيد ، فإنه تستر بالفقه ، وكان يفتي على مذهب شيخه أبي ثور ، وبسط لهم النطع ، فتقدم من آخرهم أبو الحسن النوري ، فقال له الجلاد : لم تقدمت؟ فقال : لأوثر أصحابي بحياة ساعة ، فبهت السياف ، وأنهى الخبر إلى الخليفة ، فرّدهم إلى القاضي ، فسأل النوري عن مسائل فقهية فأجابه ، ثم قال : وبعد .. فإن لله تعالى عبادا إذا قاموا قاموا بالله ، وإذا نطقوا نطقوا بالله ... إلى آخر كلامه ، فبكى القاضي وأرسل يقول للخليفة : إن كان هؤلاء زناديق فما على وجه الأرض مسلم ، فخلى سبيلهم ، ثم قتل من الصوفية الحسين الحلاج في سنة تسع وثلاثمائة بما لم يتأمله من أمر بقتله انتهى.
وقال أيضا : وروي أنه لما قدّم لتقطّع يداه قطعت اليد اليمنى أولا ، فضحك ، ثم قطعت اليسرى فضحك ضحكا بليغا ، فخاف أن يصفرّ وجهه من نزف الدم ، فكبّ بوجهه على الدم السائل ، ولطّخ وجهه بدمه. ثم رفع رأسه إلى السماء ، وقال : يا مولاي ، إني غريب في عبادك ، وذكرك أغرب منّي ، والغريب يألف الغريب.
وقال أيضا : وفي مشكاة الأنوار للإمام الغزالي فصل طويل في حاله يعتذر فيه عمّا صدر عنه مثل قوله :
(أنا الحق .. وما في الجبة إلا الله) ، وحملها على محامل حسنة ، وقال : هذا من شدة الوجد مثل قول القائل : (أنا من أهوى ومن أهوى أنا).
وقال السيد الجليل الشيخ عبد القادر الجيلاني : عثر الحسين الحلاج فلم يكن في زمنه من يأخذه بيده ، ولو كنت في زمنه لأخذت بيده. وانظر : الانتصار للأولياء (ص ٣٩ ، ٥٨٤) بتحقيقنا.