في سورة الأنبياء
وأما قوله تعالى : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٢٩].
فورد على الفرض والتقدير ، وذلك لا يقتضي الوقوع ، كما نهى عن الشرك في قوله : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٤].
وأوعد في قوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] بطريق الإلهاب والتهيّج ، وكذا غيره من المواضع ؛ فكانت الآية نظير قوله : (لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [المائدة : ٦٦].
فإن إقامتها إنما تكون بالإيمان والتقوى ، فمن آمن ؛ أكل من فوقه ، ومن اتقى ؛ أكل من تحته ؛ يعني : إن الفوق إشارة إلى السماء ، ومحلّ الفيض ، والتحت إشارة إلى الأرض ، ومحلّ الكسب.
وقوله عزوجل : (وَلكِنْ كَذَّبُوا) [الأعراف : ٩٦] بترك الإيمان والتقوى.
وقوله عزوجل : (فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف : ٩٦] : أي بسبب عملهم السيئ ؛ وهو التكذيب ، فكان سوء الحال ظاهرا وباطنا سببا للأخذ والانتقام ، ولا يحصل كل نفس إلا ما زرعت كما قيل : يداك أو فوك نفخ ، وقد قال تعالى :
(وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤٦] ، فإنه لا يحب الظلم والظالم ، كما قال :
(وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران : ٥٧ ، ١٤٠].
وقال تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٨٧].
هذه حكاية كلام يونس عزوجل ؛ وهو في قعر البحر في بطن الحوت ، فجعل كلامه معه تعالى من طريق الخطاب لا من طريق الغيبة ؛ إذ لا غيبة بالنسبة إليه تعالى ؛ فإنه هو المتجلّي في كل شيء بحسبه : أي بحسب ذلك الشيء لا بحسبه تعالى ، فإنه تعالى لا يسعه شيء إلا بالاعتبار ، وبعض الوجوه ، فيونس إنما خاطب الله المتجلّي فيه