بعد الرجوع إلى سدرة الكثرة ، وسترة قاب قوسين ؛ وهو الذي أشار إليه الحديث
: «وأسألك
لذّة النظر إلى وجهك الكريم أبدا دائما سرمدا» .
فإن اللّذّة لا
تكون في الفناء الصرف ؛ بل في البقاء ، فالمحقق في الشهود الدائم أبدا ؛ لأنه لا
حجاب له أصلا ؛ لأن مقام قاب قوسين ؛ كالمرآة له ، ولا شك أن المرآة ليست بحجاب
للمرئي والرآئي.
فالخلوتية إذا ـ
بالمعجمة الفوقانية ـ ناقصون ؛ لوقوفهم في البرزخ ، وقصر سيرهم على الأكوان ،
وآثار الأسماء التي هي طرائق المكون والمسمّى.
قلت : لا شك أن
أصحاب الطرق الحقة كلها كاملون بعد الوصول على الحق سواء كان وصولهم من طريق
الأسماء ، أو من طريق غيرها ، كما أن من قصد الحج من البرّ ، ومن قصده من البحر ،
متفقون في الوصول إلى الكعبة ، وإن كان سيرهما مختلفين متفاوتين بالقرب وبالبعد ،
وبالسهولة وبالمشقة.
وأمّا قبل
الوصول فلا شك أن كمالهم إضافي ، وربما يكون سالك أولى من سالك من حيث قوة السلوك
، وتوثيق سببه ، وعلو وصوله ، فإن كم من فرق بين واصل وواصل ، كما أنه من فرق بين
سالك وسالك ، فإن قلت : كيف هذا التفاوت ، ولا تفاوت في النظر إلى الكعبة؟ قلت :
هذه دعوى لا يقوم عليها دليل ، فإن الأنظار متفاوتة ، وكشف الحقائق لا يتجلّى لكل
بصيرة ، والحق وإن كان وجها لا قفا فيه ، فله وجوه مختلفة تنظر إليها نظرا متفاوتا
من الجهات ، وعلى هذا أهل الاجتهاد ، كالأئمة الأربعة فإنهم وإن كانوا كلهم واصلين
إلى الله لكن أحوالهم متفاوتة في ذلك تدبّر تدبّرهم.
قال
الله سبحانه : (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ
هارُونُ مِنْ قَبْلُ) [طه : ٩٠].
أي : قال الله
تعالى على لسان هارون عليهالسلام لبني إسرائيل : الذين عبدوا العجل من بعد غيبة موسى عليهالسلام ؛ لأجل إتيان التوراة.
فظهر أن
الإنسان صورة الحق ، والله تعالى يقول على لسانه ما يقول ، ويفعل ما
__________________